الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4453 [ ص: 594 ] 1 - باب: قوله: وأنذرهم يوم الحسرة الآية [مريم: 39]

                                                                                                                                                                                                                              4730 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت -وكلهم قد رآه- ثم ينادي: يا أهل النار! فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت -وكلهم قد رآه- فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت، ثم قرأ: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة [مريم: 39] وهؤلاء في غفلة: أهل الدنيا وهم لا يؤمنون ". [ مسلم: 2849 - فتح: 8 \ 428]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق فيه حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى: يا أهل الجنة. فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت -وكلهم قد رآه- ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت -وكلهم قد رآه- فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت، ثم قرأ: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة [مريم: 39] وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وأخرجاه أيضا من حديث ابن عمر ، ولفظ الترمذي في حديث أبي سعيد : "أتي بالموت

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 595 ] كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار فيذبح، فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار". ثم قال: حسن صحيح، وأخرجه البخاري أيضا عن أبي هريرة : الخلود، وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ: "يجاء بالموت فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط".

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه الترمذي بلفظ: "وأتي بالموت ملببا فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار، فيضجع فيذبح ذبحا على السور"، ثم قال: حسن صحيح.

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد الله فيما أسند ابن مردويه في الآية، قال: ذبح الموت.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى "فيشرئبون" هو بالهمز: يرفعون رءوسهم إلى المنادي، والأملح: الذي فيه بياض كثير وسواد، قاله الكسائي . وعند ابن الأعرابي : هو الأبيض الخالص، والحكمة في كونه أسود وأبيض فيما قاله علي بن حمزة : أن البياض من جهة الجنة والسواد من جهة النار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 596 ] وقال المازري: الموت عند أهل السنة عرض من الأعراض يضاد الحياة، وزعم بعض المعتزلة: أنه ليس بعرض، بل معناه عدم الحياة، وهو خطأ لقوله تعالى: خلق الموت والحياة [تبارك: 2] فأثبته مخلوقا. وعليهما ليس الموت بجسم، فيتأول الحديث على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم مثالا، لأن الموت لا يطرأ على أهل الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                              وإن كان ابن عباس ومقاتل والكلبي قالوا: إن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها، خطوها مد البصر، فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيي، وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: دلالة على أنهم يعاينون ملك الموت في هذه الصورة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم هذا الحديث وغيره من الأحاديث نص في الخلود لأهل الدارين لا إلى أمد ولا غاية، فمن قال: إنهم يخرجون منها وأن النار تبقى خالية وأنها تفنى وتزول، فهو خروج عن مقتضى المعقول ومخالف لما جاء به الرسول وما أجمع عليه أهل السنة والعدول، وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العليا التي فيها عصاة أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير، وقد بين ذلك موقوف عبد الله بن عمرو بن العاص : يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها ليس فيها أحد من الموحدين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 597 ] وهذا وإن [كان] موقوفا فإن مثله لا يقال بالرأي.

                                                                                                                                                                                                                              وإنما يؤتى بالموت في صورة كبش؛ لأنه جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح، والذي يذبحه يحيى بن زكريا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم. وقيل الذي يذبحه جبريل. ذكره في "التذكرة".




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية