الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 478 ] 79

ثم دخلت سنة تسع وسبعين

ذكر غزو عبيد الله بن أبي بكرة رتبيل

لما ولى الحجاج عبيد الله بن أبي بكرة سجستان ، وذلك سنة ثمان وسبعين ، مكث سنة لم يغز ، وكان رتبيل مصالحا ، وكان يؤدي الخراج ، وربما امتنع منه .

فبعث الحجاج إلى عبيد الله بن أبي بكرة يأمره بمناجزته ، وأن لا يرجع حتى يستبيح بلاده ، ويهدم قلاعه ، ويقيد رجاله .

فسار عبيد الله في أهل البصرة وأهل الكوفة ، وكان على أهل الكوفة شريح بن هانئ ، وكان من أصحاب علي ، ومضى عبيد الله حتى دخل بلاد رتبيل ، فأصاب من الغنائم ما شاء ، وهدم حصونا ، وغلب على أرض من أراضيهم ، وأصحاب رتبيل من الترك يتركون لهم أرضا بعد أرض ، حتى أمعنوا في بلادهم ودنوا من مدينتهم ، وكانوا منها على ثمانية عشر فرسخا ، فأخذوا على المسلمين العقاب والشعاب ، فسقط في أيدي المسلمين ، فظنوا أن قد هلكوا ، فصالحهم عبيد الله على سبعمائة ألف درهم يوصلها إلى رتبيل ليمكن المسلمين من الخروج من أرضه ، فلقيه شريح فقال له : إنكم لا تصالحون على شيء إلا حسبه السلطان من أعطياتكم ، وقد بلغت من العمر طويلا ، وقد كنت أطلب الشهادة منذ زمان ، وإن فاتتني اليوم الشهادة ما أدركها حتى أموت . ثم قال شريح : يا أهل الإسلام ، تعاونوا على عدوكم . فقال له ابن أبي بكرة : إنك شيخ قد خرفت . فقال له شريح : إنما حسبك أن يقال بستان عبيد الله وحمام عبيد الله . يا أهل الإسلام من أراد منكم الشهادة فإلي . فاتبعه ناس من المتطوعة غير كثير ، وفرسان الناس ، وأهل الحفاظ ، فقاتلوا حتى أصيبوا إلا قليلا ، وجعل شريح يرتجز ويقول : [ ص: 479 ]

أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا قد عشت بين المشركين أعصرا     ثمة أدركنا النبي المنذرا
وبعده صديقه وعمرا     ويوم مهران ويوم تسترا
والجمع في صفينهم والنهرا     وباجميرات مع المشقرا
هيهات ما أطول هذا عمرا



وقاتل حتى قتل في ناس من أصحابه ، ونجا من نجا منهم ، فخرجوا من بلاد رتبيل ، فاستقبلهم الناس بالأطعمة ، فكان أحدهم إذا أكل وشبع مات ، فحذر الناس وجعلوا يطعمونهم السمن قليلا حتى استمرءوا ، وبلغ ذلك الحجاج ، فكتب إلى عبد الملك يعرفه ذلك ، ويخبره أنه قد جهز من أهل الكوفة وأهل البصرة جيشا كثيفا ، ويستأذنه في إرساله إلى بلاد رتبيل .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أصاب أهل الشام طاعون شديد حتى كادوا يفنون ، فلم يغز تلك السنة أحد فيما قيل . وفيها أصاب أهل الروم أهل أنطاكية وظفروا بهم .

وفيها استعفى شريح بن الحارث عن القضاء ، فأعفاه الحجاج واستعمل على القضاء أبا بردة بن أبي موسى .

وحج بالناس في هذه السنة أبان بن عثمان ، وكان على المدينة ، وكان على العراق والشرق كله الحجاج بن يوسف . وكان على قضاء البصرة موسى بن أنس .

[ ص: 480 ] [ الوفيات ]

وفيها مات محمود بن الربيع ، وكنيته أبو إبراهيم ، وولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود .

التالي السابق


الخدمات العلمية