الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1357 [ ص: 313 ] حديث سابع لنافع عن ابن عمر .

مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة . وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية : كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ، ثم تنتج التي في بطنها .

التالي السابق


قد جاء تفسير هذا الحديث كما ترى في سياقه ، وإن لم يكن تفسيره مرفوعا فهو من قبل ابن عمر ، وحسبك . وبهذا التأويل قال مالك ، والشافعي وأصحابهما ، وهو الأجل المجهول ، ولا خلاف بين العلماء أن البيع إلى مثل هذا من الأجل لا يجوز ، وقد جعل الله الأهلة مواقيت للناس ، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيع إلى مثل هذا من الأجل ، وأجمع المسلمون على ذلك ، وكفى بهذا علما . وقال [ ص: 314 ] آخرون في تأويل هذا الحديث : معناه بيع ولد الجنين الذي في بطن الناقة . هذا قول أبي عبيد ; قال أبو عبيد عن ابن علية : هو نتاج النتاج ، وبهذا التأويل قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه . وقد فسر بعض أصحاب مالك هذا الحديث بمثل ذلك أيضا ، وهو بيع أيضا مجتمع على أنه لا يجوز ولا يحل ; لأنه بيع غرر ومجهول ، وبيع ما لم يخلق ، وقد أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز في بيوع المسلمين ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع المجر ، وهو بيع ما في بطون الإناث ، ونهى عن المضامين والملاقيح ، وأجمعوا أنه بيع لا يجوز .

قال أبو عبيد : المضامين : ما في البطون ، وهي الأجنة ، والملاقيح : ما في أصلاب الفحول ، وهو تفسير ابن المسيب وابن شهاب . ذكر مالك في موطئه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : لا ربا في الحيوان ، وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث : عن المضامين ، والملاقيح ، وحبل الحبلة ، والمضامين : ما في بطون الإناث ، والملاقيح : ما في ظهور الجمال ، وقال غيره : المضامين : ما في أصلاب الفحول ، والملاقيح : ما في بطون الإناث ، وكذلك قال أبو عبيد ، واحتج بقول الشاعر :

[ ص: 315 ]

ملقوحة في بطن ناب حائل

.

وذكر المزني عن ابن شهاب شاهدا بأن الملاقيح ما في البطون لبعض الأعراب :


منيتني ملاقحا في الأبطن تنتج ما تنتج بعد أزمن

.

وكيف كان ، فإن بيع هذا كله باطل لا يجوز عند جماعة علماء المسلمين ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الملامسة والمنابذة ، فكيف بمثل هذا من بيع ما لم يخلق ؟ ( وهذا كله ) يدخله المجهول والغرر ، وأكل المال بالباطل ، وفي حكم الله ورسوله تحريم هذا كله ، فإن وقع شيء من هذا البيع فسخ إن أدرك ، فإن قبض وفات رد إلى قيمته يوم قبض لا يوم تبايعا بالغا ما بلغ ، كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل ، وإن أصيب قبل القبض فمصيبته من البائع أبدا ، وقد مضى تفسير الملامسة وغيرها فيما سلف من كتابنا هذا ، والحمد لله .




الخدمات العلمية