الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 100 ] باب

في رد بدعات التقليد

وقال تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين المجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار عن سائر الموحدين.

وفيه إشعار على التزام جماعة السنة، وإطلاق العبادة والاستعانة لقصد التعميم; ليتناول كل معبود به، ومستعان فيه، واستحسنه الزمخشري.

أفادت الآية الشريفة تخصيص العبادة لله، والاستعانة بالله، وترك التقليد; لأن التقليد العرفي المصطلح عليه إذا تأملت فيه، وجدته نوعا من أنواع العبادة لغير الله، والاستعانة بدونه -سبحانه وتعالى- لكونه اتباعا للهوى، ومن اتبع هواه فقد اتخذها معبودا له.

قال تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه [الجاثية: 23] وإطلاق "الهوى" على التقليد مشعر بكونه من أبواب الشرك المخالف للتوحيد؛ ولهذا جزم ابن حزم -رحمه الله- بكون التقليد شركا، وأنه حرام على الإطلاق.

وفي حديث أبي هريرة يرفعه: "يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" إلى قوله: "فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل" الحديث، أخرجه مسلم.

فهذه الآية الكريمة، كما دلت على التوحيد ونفي الشرك، فهكذا دلت بالإشارة إلى نفي التقليد.

[ ص: 101 ] ويا لله العجب من أقوام يقرؤون هذه الآية في سورة الفاتحة كل يوم خمس مرات فصاعدا، في كل صلاة، ويقرون بتخصيص العبادة لله، والاستعانة به، ثم يشركون خارج الصلوات، ويقلدون في الشرائع الأموات، ولا يخطر ببالهم أن ذلك يقع منهم موقع الكذب بين يدي الله سبحانه، فما أعظم إثم ذلك!! أعاذنا الله مما هنالك.

وهذه أول آية في القرآن الشريف ترد الشرك والتقليد.

والثانية: قوله تعالى في هذه السورة: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم .

قال ابن كثير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا، على أن الصراط المستقيم، هو الطريق الواضح، الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة العرب جميعا، وهي الملة الحنيفية السمحة المتوسطة بين الإفراط والتفريط. انتهى.

والتقليد العرفي، من وادي الإفراط أو التفريط، على حسب مفاهيمه عند القائلين.

ففيه سؤال لإيثار الحق وترك الباطل.

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: هو كتاب الله. وقيل: السنة.

قلت: ولا مانع من إرادتهما معا.

وقال ابن عباس: معناه: ألهمنا دينك الحق. انتهى.

وهو اتباع القرآن والحديث، في كل نقير وقطمير، وحقير وجليل، وصغير وكبير.

ومن ترك اتباعهما، وقلد الناس -أي ناس كانوا- فقد بعد عن الصراط المستقيم، والتنصيص على أن صراط المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة والاستواء على آكد وجه وأبلغه، بحيث لا يذهب الوهم عند ذكره إلا إليه.

والمراد بالموصول: هم الأربعة المذكورة في سورة النساء حيث قال: [ ص: 102 ] ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [النساء: 19].

وهذا يرشدك إلى أن المطيع لله ولرسوله، هو الذي يتبع الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، دون من يطيع الأحبار والرهبان، فإنه ليس من هذه الإطاعة المشار إليها في شيء.

وفيه: أن معية هؤلاء الأربعة إنما تحصل في إطاعة الله; أي: إطاعة كتابه، وإطاعة الرسول; أي: اتباع أحاديثه. ومفهومه أنها لا تحصل لمن قلد غيرهما.

فالآية الشريفة حاملة لهم على سؤال اتباع الكتاب والسنة، ومشيرة إلى ترك التقليد، وكذا ما بعدها، وهو قوله سبحانه: غير المغضوب عليهم ولا الضالين المراد بهم: اليهود والنصارى، كما ورد بذلك الحديث.

التالي السابق


الخدمات العلمية