الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ حكم تخلي الإمام عن منصبه ]

        505 - فإن قيل : هل يرخص الشارع للمستقل بالمنصب الذي وصفتموه النزول عنه ، والتخلي لعبادة الله ، وإيثار الامتياز [ ص: 355 ] والانحجاز عن مظان الغرر ، ومواقع الخطر ، وتفويض أمر العباد إلى خالقهم ورازقهم ؟

        قلنا : لا يحل للقائم بالأمر الانسلال والانخزال عما تصدى له من كفاية المسلمين عظائم الأشغال ، إذا علم أنه لا يخلفه من يسد في أمر الدين والدنيا مسده ، ويرد بوادر الظلمة رده .

        وتبين أن من يتشوف إلى ( 188 ) الاستقلال بالأشغال ، لا يبوء بالأعباء والأثقال ، ولا يرجع إلى حشمة وأبهة رادعة ، ورأي مطاع ، واستبداد بمتابعة أشياع ، ومشايعة أتباع ، وتوفر من همم الخلق ودواع في الإذعان والأتباع ، وإصفاق وإطباق من طبقات الخلق في الآفاق .

        على الثقة بأقواله ، والركون إلى متصرفات أحواله ، واعتقاد مصمم من كافة الورى ، من يرى ومن لا يرى ، أنه إذا تعطف [ وترأف ] فكأمك [ ص: 356 ] شفيق ، وناصح رفيق ، وإن استجار ملهوف بذراه فركن وثيق ، وإن تغشت سخطته جبابرة الأرض لم يبق منهم في الحناجر ريق .

        يعم أهل الخلاف والوفاق نصحه وإشفاقه ، ويطبق طبقات الخلائق مباره وإرفاقه ، ويستنيم إلى مأمن إنصافه كل ختار غادر ، ويستكين لهيبته كل جبار قاسر ، قد استطال على الرقاب الغلظ فرسانه ، واستمال حبات القلوب إحسانه .

        506 - فإلى متى أطيل طول الكلام ، وقد تناهى الوضوح والكنى والحال يصرح ويبوح ، ومن تستجمع له هذه الخلال ، إلا فرد الدهر ومرموق العصر ؟ ومن يتصدى في متسع الأرض - إذا تأمل الباحث عنها الطول منها والعرض - لأدنى مقام من هذه المقامات ؟

        ومن يرقى إلى أقرب درجة من هذه الدرجات ؟ هيهات هيهات ، لم يأت والله [ بمثله ] مكر الأدوار ، ولم يحتو على شكله محدب الفلك الدوار ، ولم يسمح بنظيره منقلب [ الأيام ] والأقدار ، ومضطرب الدهور والأعصار ومن قدر له [ ص: 357 ] في العالمين ضريبا ، استطالت عليه ألسنة أرباب الألباب تفنيدا وتكذيبا .

        507 - ولو فرض فارض مستظهرا بالعدد بطاشا بأنصار ، من غير ( 189 ) رجوع إلى اعتزام وافتكار ، ونظر في مهمات الرعايا واعتبار ، لصارت الخطة فراشا لكل [ عار ] ، وفراشا لكل نار .

        ثم من ينتهض لدين الله بالذب والانتصار ؟ ومن يتعطف عاطفته على علماء الأقطار ؟ ومن يكلأ بالعين الساهرة شعار الدين في أقاصي الديار والأمصار ؟ ومن يحسم غوائل البدع بالرأي الثاقب من غير إثارة فتنة وإظهار ضرار ؟ .

        ومن يداري بلطف الخلق ما يكل عنه غرار الحسام البتار ؟ ومن يهتم بالمساجد والمشاهد والمجالس والمدارس في الأمصار ، ومن الذي يحن إلى سدته زمر الأولياء والأخيار ، حنين الطير إلى الأوكار ؟ ومن الذي يستوظف معظم ساعات الليل والنهار في الإصاخة إلى كلام الملهوفين من غير تبرم واستكبار ؟ .

        فإذا لم يقم أحد مقامه في أدنى هذه الآثار تعين عليه قطعا على الله [ ص: 358 ] العظيم شأنه الثبوت والاصطبار ، والانتداب لله عزت قدرته في هذه المآرب والأوطار .

        508 – وأنا الآن أذكر فصولا مجموعة ، أنتحي فيها منشأ الحق وينبوعه ، وأسترسل في العبارات القريبة المطبوعة ، فإن نهايات المعاني ، لا تحويها الألفاظ المصنوعة ، والكلم المرصعة المسجوعة .

        فأقول معولا على التأييد من الله والتوفيق : ليس يخفى على ذوي البصائر والتحقيق ، أن القيام بالذب عن الإسلام ، وحفظ الحوزة مفروض ، وذوو التمكن والاقتدار مخاطبون به ، فإن استقل به كفاة ، سقط الفرض عن الباقين ، وإن تقاعدوا وتجادلوا وتقاعسوا وتواكلوا ، عم كافة المقتدرين الحرج على تفاوت المناصب والدرج ( 190 ) .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية