[ ص: 152 ] nindex.php?page=treesubj&link=21705ما ورد في السنة من تعليل الأحكام ]
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم علل الأحكام والأوصاف المؤثرة فيها ; ليدل على ارتباطها بها ، وتعديها بتعدي أوصافها وعللها ، كقوله في نبيذ التمر : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16950، تمرة طيبة وماء طهور } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12479إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12537إنما نهيتكم من أجل الدافة } ، وقوله في الهرة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8553ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات } ، ونهيه عن تغطية رأس المحرم الذي وقصته ناقته وتقريبه الطيب وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23809فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12360، إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم } ، ذكره تعليلا لنهيه عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، - وقوله تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } وقوله في الخمر والميسر : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41917وقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا نعم ، فنهى عنه . } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31281لا يتناجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10666، إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء ، وإنه يتقي بالجناح الذي فيه الداء } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11439إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس } .
وقال وقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20099سئل عن مس الذكر هل ينقض الوضوء فقال : هل هو إلا بضعة منك } ، وقوله في {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12688ابنة حمزة : إنها لا تحل لي ; إنها ابنة أخي من الرضاعة } ، وقوله في الصدقة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12249إنها لا تحل لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس } .
وقد قرب النبي صلى الله عليه وسلم الأحكام إلى أمته بذكر نظائرها وأسبابها ، وضرب لها الأمثال ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24431فقال له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : صنعت اليوم يا رسول الله أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم ؟ فقلت : لا بأس بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فصم } ولولا أن حكم المثل حكم مثله وأن المعاني والعلل مؤثرة في الأحكام نفيا وإثباتا لم يكن لذكر هذا التشبيه معنى ، فذكره ليدل به على أن حكم النظير حكم مثله ، وأن نسبة القبلة التي هي وسيلة إلى الوطء كنسبة وضع الماء في الفم الذي هو وسيلة إلى شربه ، فكما أن هذا الأمر لا يضر فكذلك الآخر ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10816وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله فقال : إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه ، أفأحج عنه ؟ قال : أنت أكبر ولده ؟ قال : نعم ، قال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ عنه ؟ قال : نعم ، قال : فحج عنه } ، فقرب الحكم من الحكم ، وجعل دين
[ ص: 153 ] الله - سبحانه - في وجوب القضاء أو في قبوله بمنزلة دين الآدمي ، وألحق النظير بالنظير ، وأكد هذا المعنى بضرب من الأولى ، وهو قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13736اقضوا الله فالله أحق بالقضاء } ، ومنه الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41380وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا : يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يكون عليه وزر ؟ قالوا : نعم ، قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر } ، وهذا من
nindex.php?page=treesubj&link=21705_22058_22059قياس العكس الجلي البين ، وهو إثبات نقيض حكم الأصل في الفرع لثبوت ضد علته فيه ، ومنه الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2400أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، وإني أنكرته . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : فما ألوانها ؟ قال : حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقا ، قال : فأنى ترى ذلك جاءها ؟ قال : يا رسول الله عرق نزعه ، قال : ولعل هذا عرق نزعه } . ولم يرخص له في الانتفاء منه .
ومن تراجم
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على هذا الحديث باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السائل .
ثم ذكر بعده حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4706أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ قالت : نعم ، فقال : اقضوا الله فإن الله أحق بالوفاء } ، وهذا الذي ترجمه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هو فصل النزاع في القياس ، لا كما يقوله المفرطون فيه ولا المفرطون ، فإن الناس فيه طرفان ووسط ، فأحد الطرفين من ينفي العلل والمعاني والأوصاف المؤثرة ، ويجوز ورود الشريعة بالفرق بين المتساويين والجمع بين المختلفين ، ولا يثبت أن الله - سبحانه - شرع الأحكام لعلل ومصالح ، وربطها بأوصاف مؤثرة فيها مقتضية لها طردا وعكسا ، وأنه قد يوجب الشيء ويحرم نظيره من كل وجه ، ويحرم الشيء ويبيح نظيره من كل وجه ، وينهى عن الشيء لا لمفسدة فيه ، ويأمر به لا لمصلحة بل لمحض المشيئة المجردة عن الحكمة والمصلحة ، وبإزاء هؤلاء قوم أفرطوا فيه ، وتوسعوا جدا ، وجمعوا بين الشيئين اللذين فرق الله بينهما بأدنى جامع من شبه أو طرد أو وصف يتخيلونه علة يمكن أن يكون علته وأن لا يكون ، فيجعلونه هو السبب الذي علق الله ورسوله الحكم بالخرص والظن ، وهذا هو الذي أجمع السلف على ذمه كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - .
والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر في الأحكام العلل والأوصاف المؤثرة فيها طردا وعكسا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28719كقوله للمستحاضة التي سألته : هل تدع الصلاة زمن استحاضتها ؟ فقال : لا ، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فأمرها أن تصلي مع هذا الدم ، وعلل بأنه دم عرق وليس بدم حيض ، } وهذا قياس يتضمن الجمع والفرق .
[ ص: 154 ]
فإن قيل : فشرط صحة القياس ذكر الأصل المقيس عليه ، ولم يذكر في الحديث . قيل : هذا من حسن الاختصار ، والاستغناء بالوصف الذي يستلزم ذكر الأصل المقيس عليه ; فإن المتكلم قد يعلل بعلة يغني ذكرها عن ذكر الأصل ، ويكون تركه لذكر الأصل أبلغ من ذكره ، فيعرف السامع الأصل حين يسمع ذكر العلة ; فلا يشكل عليه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين علل وجوب الصلاة مع هذا الدم بأنه عرق صار الأصل الذي يرد إليه هذا الكلام معلوما ، فإن كل سامع سمع هذا يفهم منه أن دم العرق لا يوجب ترك الصلاة ، ولو قال : " هو عرق فلا يوجب ترك الصلاة كسائر دم العروق لكان عيا ، وعد من الكلام الركيك ، ولم يكن لائقا بفصاحته ، وإنما يليق هذا بعجرفة المتأخرين وتكلفهم وتطويلهم .
ونظير هذا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27040قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأل عن مس ذكره هل إلا بضعة منك } ، فاستغنى بهذا عن تكلف قوله كسائر البضعات .
ومن ذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27032قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته : هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال : نعم ، فقالت أم سليم : أوتحتلم المرأة يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما النساء شقائق الرجال } ، فبين أن النساء والرجال شقيقان ونظيران لا يتفاوتان ولا يتباينان في ذلك ، وهذا يدل على أن من المعلوم الثابت في فطرهم أن حكم الشقيقين والنظيرين حكم واحد ، سواء كان ذلك تعليلا منه صلى الله عليه وسلم للقدر أو للشرع أو لهما ; فهو دليل على تساوي الشقيقين وتشابه القرينين وإعطاء أحدهما حكم الآخر .
[ ص: 152 ] nindex.php?page=treesubj&link=21705مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ ]
وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلَلَ الْأَحْكَامِ وَالْأَوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِيهَا ; لِيَدُلّ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِهَا ، وَتَعْدِيهَا بِتَعَدِّي أَوْصَافَهَا وَعِلَلِهَا ، كَقَوْلِهِ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16950، تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ } ، وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12479إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ } ، وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12537إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ } ، وَقَوْلِهِ فِي الْهِرَّةِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8553لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ } ، وَنَهْيِهِ عَنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَتَقْرِيبِهِ الطِّيبَ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23809فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12360، إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ } ، ذَكَرَهُ تَعْلِيلًا لِنَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا ، - وقَوْله تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } وَقَوْلِهِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41917وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ : أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ ؟ قَالُوا نَعَمْ ، فَنَهَى عَنْهُ . } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31281لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10666، إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ دَوَاءً ، وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِالْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ } ، وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11439إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ } .
وَقَالَ وَقَدْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20099سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَقَالَ : هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْكَ } ، وَقَوْلِهِ فِي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12688ابْنَةِ حَمْزَةَ : إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي ; إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ } ، وَقَوْلِهِ فِي الصَّدَقَةِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12249إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ } .
وَقَدْ قَرَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَحْكَامَ إلَى أُمَّتِهِ بِذِكْرِ نَظَائِرِهَا وَأَسْبَابِهَا ، وَضَرَبَ لَهَا الْأَمْثَالَ ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24431فَقَالَ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : صَنَعْتُ الْيَوْمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرًا عَظِيمًا ، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ فَقُلْتُ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَصُمْ } وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَ الْمِثْلِ حُكْمُ مِثْلِهِ وَأَنَّ الْمَعَانِيَ وَالْعِلَلَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ هَذَا التَّشْبِيهِ مَعْنًى ، فَذَكَرَهُ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّظِيرِ حُكْمُ مِثْلِهِ ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الْقُبْلَةِ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَطْءِ كَنِسْبَةِ وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى شُرْبِهِ ، فَكَمَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَضُرُّ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10816وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَهُ فَقَالَ : إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَحُجَّ عَنْهُ } ، فَقَرَّبَ الْحُكْمَ مِنْ الْحُكْمِ ، وَجَعَلَ دَيْنَ
[ ص: 153 ] اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَوْ فِي قَبُولِهِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ ، وَأَلْحَقَ النَّظِيرَ بِالنَّظِيرِ ، وَأَكَّدَ هَذَا الْمَعْنَى بِضَرْبٍ مِنْ الْأُولَى ، وَهُوَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13736اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ } ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41380وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ } ، وَهَذَا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=21705_22058_22059قِيَاسُ الْعَكْسِ الْجَلِيِّ الْبَيِّنِ ، وَهُوَ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ ضِدِّ عِلَّتِهِ فِيهِ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2400أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا أَلْوَانُهَا ؟ قَالَ : حُمْرٌ ، قَالَ : هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ قَالَ : إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا ، قَالَ : فَأَنَّى تَرَى ذَلِكَ جَاءَهَا ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِرْقٌ نَزَعَهُ ، قَالَ : وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ } . وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ .
وَمِنْ تَرَاجِمِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا لِيَفْهَمَ السَّائِلُ .
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4706أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إنَّ أُمِّيَّ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَالَ : اقْضُوا اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ } ، وَهَذَا الَّذِي تَرْجَمَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ هُوَ فَصْلُ النِّزَاعِ فِي الْقِيَاسِ ، لَا كَمَا يَقُولُهُ الْمُفْرِطُونَ فِيهِ وَلَا الْمُفَرِّطُونَ ، فَإِنَّ النَّاسَ فِيهِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ ، فَأَحَدُ الطَّرَفَيْنِ مَنْ يَنْفِي الْعِلَلَ وَالْمَعَانِيَ وَالْأَوْصَافَ الْمُؤَثِّرَةَ ، وَيَجُوزُ وُرُودُ الشَّرِيعَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَلَا يَثْبُتُ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - شَرَعَ الْأَحْكَامَ لِعِلَلٍ وَمَصَالِحَ ، وَرَبَطَهَا بِأَوْصَافٍ مُؤَثِّرَةٍ فِيهَا مُقْتَضِيَةٍ لَهَا طَرْدًا وَعَكْسًا ، وَأَنَّهُ قَدْ يُوجِبُ الشَّيْءَ وَيُحَرِّمُ نَظِيرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَيُحَرِّمُ الشَّيْءَ وَيُبِيحُ نَظِيرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَيَنْهَى عَنْ الشَّيْءِ لَا لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ ، وَيَأْمُرُ بِهِ لَا لِمَصْلَحَةٍ بَلْ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةُ ، وَبِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَفْرَطُوا فِيهِ ، وَتَوَسَّعُوا جِدًّا ، وَجَمَعُوا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِأَدْنَى جَامِعٍ مِنْ شَبَهٍ أَوْ طَرْدٍ أَوْ وَصْفٍ يَتَخَيَّلُونَهُ عِلَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلَّتَهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ ، فَيَجْعَلُونَهُ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي عَلَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحُكْمَ بِالْخَرْصِ وَالظَّنِّ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى ذَمِّهِ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِي الْأَحْكَامِ الْعِلَلَ وَالْأَوْصَافَ الْمُؤَثِّرَةَ فِيهَا طَرْدًا وَعَكْسًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28719كَقَوْلِهِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ : هَلْ تَدْعُ الصَّلَاةَ زَمَنَ اسْتِحَاضَتِهَا ؟ فَقَالَ : لَا ، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَأَمَرَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ هَذَا الدَّمِ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَلَيْسَ بِدَمِ حَيْضٍ ، } وَهَذَا قِيَاسٌ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ وَالْفَرْقَ .
[ ص: 154 ]
فَإِنْ قِيلَ : فَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ ذِكْرُ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ . قِيلَ : هَذَا مِنْ حُسْنِ الِاخْتِصَارِ ، وَالِاسْتِغْنَاءِ بِالْوَصْفِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ ذِكْرَ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ; فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يُعَلِّلُ بَعْلَةٍ يُغْنِي ذِكْرُهَا عَنْ ذِكْرِ الْأَصْلِ ، وَيَكُونُ تَرْكُهُ لِذِكْرِ الْأَصْلِ أَبْلَغَ مِنْ ذِكْرِهِ ، فَيَعْرِفُ السَّامِعُ الْأَصْلَ حِينَ يَسْمَعُ ذِكْرَ الْعِلَّةِ ; فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَلَّلَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَعَ هَذَا الدَّمِ بِأَنَّهُ عِرْقٌ صَارَ الْأَصْلُ الَّذِي يُرَدُّ إلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مَعْلُومًا ، فَإِنَّ كُلَّ سَامِعٍ سَمِعَ هَذَا يَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ دَمَ الْعِرْقِ لَا يُوجِبُ تَرْكَ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ قَالَ : " هُوَ عِرْقٌ فَلَا يُوجِبُ تَرْكَ الصَّلَاةِ كَسَائِرِ دَمِ الْعُرُوقِ لَكَانَ عِيًّا ، وَعُدَّ مِنْ الْكَلَامِ الرَّكِيكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَائِقًا بِفَصَاحَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ هَذَا بِعَجْرَفَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتُكَلِّفْهُمْ وَتَطْوِيلِهِمْ .
وَنَظِيرُ هَذَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27040قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ مَسِّ ذَكَرِهِ هَلْ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْكَ } ، فَاسْتَغْنَى بِهَذَا عَنْ تَكَلُّفِ قَوْلِهِ كَسَائِرِ الْبِضْعَاتِ .
وَمِنْ ذَلِكَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27032قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ : هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : أَوَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ } ، فَبَيَّنَ أَنَّ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ شَقِيقَانِ وَنَظِيرَانِ لَا يَتَفَاوَتَانِ وَلَا يَتَبَايَنَانِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الثَّابِتِ فِي فِطَرِهِمْ أَنَّ حُكْمَ الشَّقِيقَيْنِ وَالنَّظِيرَيْنِ حُكْمٌ وَاحِدٌ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَدْرِ أَوْ لِلشَّرْعِ أَوْ لَهُمَا ; فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَسَاوِي الشَّقِيقَيْنِ وَتَشَابُهِ الْقَرِينَيْنِ وَإِعْطَاءِ أَحَدِهِمَا حُكْمَ الْآخَرِ .