الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          والرابع : مس الذكر بيده أو ببطن كفه ، أو بظهره ، ولا ينقض مسه بذراعه وفي مس الذكر المقطوع وجهان . وإذا لمس قبل الخنثى المشكل وذكره ، انتقض وضوءه ، وإن مس أحدهما لم ينتقض إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة ، وفي مس الدبر ، ومس المرأة فرجها روايتان ، وعنه : لا ينقض مس الفرج بحال

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الرابع مس الذكر ) أي : ذكر الآدمي في ظاهر المذهب ، لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من مس ذكره فليتوضأ رواه مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وغيرهم ، وصححه أحمد ، وابن معين ، قال البخاري : أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة ، وعن أم حبيبة معناه ، رواه ابن ماجه ، والأثرم ، وصححه أحمد ، وأبو زرعة ، وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء رواه الشافعي ، وأحمد ، [ ص: 161 ] وفي رواية له : وليس دونه ستر ، وقد روي ذلك عن بضعة عشر صحابيا ، وهذا لا يدرك بالقياس ، فعلم أنهم قالوه عن توقيف .

                                                                                                                          وعنه : لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يمس ذكره ، وهو في الصلاة ، هل عليه وضوء ؛ قال : لا ، إنما هو بضعة منك رواه الخمسة ، ولفظه لأحمد ، وصححه الطحاوي ، وغيره ، ولأنه جزء من جسده أشبه رجله ، فعليها يستحب الوضوء من مسه ، واختارها الشيخ تقي الدين في فتاويه ، والأولى أصح ، لأن حديث قيس ضعفه الشافعي ، وأحمد ، قال أبو زرعة ، وأبو حاتم : قيس لا تقوم بروايته حجة ، ولو سلم صحته ، فهو منسوخ ، لأن طلق بن علي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يؤسس في المسجد رواه الدارقطني ، وفي رواية أبي داود قال : قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل كأنه بدوي ، فسأله الحديث ، ولا شك أن التأسيس كان في السنة الأولى من الهجرة ، وإسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة ، وبسرة في السنة الثامنة عام الفتح هذا ، وإن لم يكن نصا في النسخ فهو ظاهر فيه ، وحديثهم مبقى على الأصل ، وأحاديثنا ناقلة عنه ، وهي أولى ، فإن كان الأمر به هو المنسوخ ، لزم التغيير مرتين ، وإن كان ترك الوضوء هو المنسوخ لم يلزم التغيير إلا مرة واحدة ، فيكون أولى ، وقياسهم الذكر على بقية البدن لا يستقيم ، لأنه يتعلق به أحكام ينفرد بها من إيجاب الغسل بإيلاجه ، والحد ، والمهر ، وغير ذلك .

                                                                                                                          ومنهم من حمله على المس من وراء حائل ، لأنه كان في الصلاة ، والمصلي في الغالب [ ص: 162 ] إنما يمسه من فوق ثيابه ، ولهذا علل بأنه بضعة منه ، قلت : وقد روى الطبراني بإسناده ، وصححه عن قيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من مس ذكره فليتوضأ قال : ويشبه أن يكون طلق سمع الناسخ والمنسوخ ، وفي تصحيحه نظر ، فإنه من رواية حماد بن محمد الحنفي ، وأيوب بن عتبة ، وهما ضعيفان ، وحينئذ فيتعارض روايتاه ، ويرجع إلى أحاديث النقض . ( بيده ) وهي من رءوس الأصابع إلى الكوع ، كالسرقة ، والتيمم ( أو ببطن كفه أو بظهره ) للعموم ، والأول : مغن عنه ، لأنه يشمله ، وعنه : ببطن الكف لأنه آلة اللمس ، وفي حرف كفه وجهان ، وظاهره أنه لا فرق بين ذكر نفسه ، وذكر غيره ، لقوله عليه السلام : ويتوضأ من مس الذكر رواه أحمد ، والنسائي ، وعنه : يختص بذكر نفسه ، والصغير ، والكبير على المنصوص ، وعنه : لا نقض بمس ذكر طفل ، ذكرها الآمدي ، والحي والميت على المذهب ، وسواء مسه سهوا ، أو لغير شهوة على المشهور ، وعنه : إن تعمد مسه نقض ، وعنه : إن مسه من فوق حائل لشهوة نقض ، ولا فرق أيضا بين أصل الذكر ، ورأسه على المذهب ، وعنه : يختص بالثقب ، وعنه : بالحشفة ، وهما بعيدان ، ومراده إذا كان أصليا ، سواء كان صحيحا ، أو أشل ، فلو كان زائدا لم ينقض في الأصح ، وشمل كلامه اليد الصحيحة ، والشلاء ، والزائدة على الصحيح ، والمذهب أنه ينقض إذا مسه من غير حائل ، ولو بزائد خلا ظفره ( ولا ينقض مسه بذراعه ) في ظاهر المذهب ، كالعضد ، لأن الحكم المعلق على مطلق اليد لا يتجاوز الكوع ، وعنه : بلى ، وهي قول الأوزاعي ، لأنها في الوضوء كذلك ، والأول : أصح ، لأنه إنما غسله فيه لتقييده بها ، وعلم منه أنه لا ينقض مسه بغير [ ص: 163 ] اليد زاد ابن تميم ، وفي الفرج وجهان ، واختار الأكثر النقض بمسه بفرج ، والمراد لا ذكره بذكر غيره ، وصرح به أبو المعالي ( وفي مس الذكر المقطوع ) المنفصل ( وجهان ) وقيل : روايتان كذا في " المحرر " ، و " الفروع " ، وظاهر المذهب أنه لا ينقض لذهاب الحرمة ، والثاني : بلى ، وقطع به الشيرازي لبقاء الاسم ، وكذا الخلاف في مس محله ، وذكر الأزجي ، وأبو المعالي فيه ينقض ، ولا يتعلق بالذكر البائن شيء من أحكام الختانين ، لأنه كيد بائنة بخلاف فرج بائن .

                                                                                                                          وحكم لمس القلفة ، وهي الجلدة التي تقطع في الختان قبل قطعها كالحشفة ، لأنها منه ، ولا ينقض مسها بعد قطعها لزوال الاسم والحرمة .

                                                                                                                          ( وإذا لمس قبل الخنثى المشكل وذكره ، انتقض وضوءه ) لأن لمس الفرج متيقن إن كان ذكرا ، فقد لمس ذكره ، وإن كان امرأة فقد مس فرجها ، ( وإن مس أحدهما لم ينتقض ) لاحتمال أن يكون غير فرج ، فلا ينقض الوضوء مع قيام الاحتمال ( إلا أن يمس الرجل ذكره ) أي الخنثى ( لشهوة ) فإنه ينتقض إن كان رجلا فقد لمس ذكرا ، وإن كان امرأة فقد لمس الرجل امرأة لشهوة ، وفي " المحرر " ، و " الوجيز " ، و " الفروع " صورة أخرى ، وهي : إذا لمست المرأة قبله ، لأن الخنثى إن كان امرأة ، فقد لمست المرأة فرج امرأة ، وإن كان رجلا فقد لمسته لشهوة ( وفي مس الدبر ، ومس المرأة فرجها ) هو اسم لمخرج الحدث ، وهو ما بين شفريها دون اسكتيها ، [ ص: 164 ] ( روايتان ) إحداهما ، ونقلها أبو داود : أنه ينتقض ، قدمها في " المحرر " ، و " الفروع " واختارها أكثر الأصحاب لقوله عليه السلام : من مس فرجه فليتوضأ رواه ابن ماجه وغيره ، والفرج : اسم جنس مضاف فيعم ، ولقوله عليه السلام : أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ رواه أحمد من حديث عمرو بن شعيب ، وإسناده جيد إليه ، وكالذكر ، والأخرى : لا ينتقض .

                                                                                                                          أما الدبر ، فقال الخلال : إنها الأشيع في قوله ، واختارها جماعة ، قال في " الفروع " : وهي أظهر ، لأن غالب الأحاديث تقيده بالذكر ، وأما الفرج ، فقال المروزي : قيل لأبي عبد الله : الجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء ؛ قال : لم أسمع فيه بشيء ، ولا يفضي مسه إلى خروج خارج ، بخلاف الذكر ، وظاهره أن الخلاف مختص بما إذا مست فرج نفسها ، والأشهر ، لا فرق بين مس فرجها ، وفرج غيرها ، وفي " التلخيص " و " البلغة " : ينقض مس فرج المرأة ، وفي مس فرج غيرها وجهان .

                                                                                                                          وظاهر كلامهم لا يشترط للنقض بذلك الشهوة ، وهو مفرع على المذهب ، وشرطها ابن أبي موسى ( وعنه : لا ينقض مس الفرج بحال ) لما سبق . وظاهره أنه لا ينقض بمس غير الفرجين من البدن ، وهو كذلك في قول أكثر العلماء ، وقال عروة : يجب في مس الأنثيين ، ، وقال عكرمة : يجب على من مس ما بين فرجيه ، ولا تجب بمس فرج بهيمة ولو كانت مأكولة ، لأنه ليس بمنصوص عليه ، ولا في معناه ، وفيه احتمال ، وهو قول الليث ، زاد في " الرعاية " : لشهوة ، ولا بمس المخرج المعتاد إذا انسد ، وانفتح غيره ، وفيه وجه ، وقيل : معها .

                                                                                                                          [ ص: 165 ] فرع : إذا انتشر عضوه بتكرر نظر ، لم ينتقض في الأصح ، كما لو كان عن فكر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية