الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثالث : في أداء المسلم فيه ، ثم البحث عن مقداره وصفته وزمانه ومكانه .

                                                                                                                فهذه أربعة أبحاث :

                                                                                                                البحث الأول : في مقداره :

                                                                                                                وفي الكتاب : ما اشترط أخذه في إبانه فانقطع إبانه قبل أخذه بتأخير السنة الثانية توفية بالعقد ، ثم رجع إلى جواز أخذ بقية رأس المال ; لأن التأخير ضرر ، قال ابن القاسم : من طلب التأخير منهما فذلك له ؛ نظرا للمدركين ، فإن اجتمعا على المحاسبة جاز .

                                                                                                                قال سند : إن لم يقبض من المبيع شيئا جاز الاتفاق على الفسخ ; لأنه إقالة ، وإن اتفقا على التأخير جاز عند ابن القاسم لتعلق الضرر بهما ، وامتنع عند أشهب كأنه فسخ دين في دين ، وإن اختلفا فقولان : أحدهما : يقدم من طلب المحاسبة ؛ لأنه نفي للضرر ، وثانيها : طالب التأخير لأنه الأصل في اعتبار العقد حتى يوفي به ، فإن قبض البعض فالمشهور : عدم الفسخ في الباقي توفية بالعقد .

                                                                                                                قاله ( ش ) و ( ح ) ويفسخ عند أشهب في الباقي ; لأن العقد يتناول ثمرة عام بيعه ، فتعذره يوجب الفسخ كالعقد على الصبرة المعينة ، وعن ابن القاسم : يختص خيار الفسخ بالمشتري ، وقاله مالك و ( ش ) و ( ح ) ; لأنه صاحب المثمن الذي هو مقصد العقد ، والثمن إنما هو وسيلة ، وقال أصبغ : تكلفهما المحاسبة إلا أن يتفقا على التأخير لشمول الضرر لهما ، وإذا قلنا بالتراضي على الفسخ إذا قبض شيئا ، فهل يجوز في البعض ؟ وهو الذي حكى فيه الخلاف في [ ص: 278 ] الكتاب ، وإذا قلنا بالفسخ فله أن يأخذ بالقيمة ما شاء غير الطعام ، منعه أشهب ، وكرهه ابن وهب ; لأنه طعام نقدا من طعام ، وأجازه محمد لوقوع الفسخ فيبطل الطعام الأول ، وعن ابن الكاتب : إنما يقع ذلك إذا حكم بالفسخ ، وأشهد عليه بالحكم بتحقق الإبطال ، وقال عبد الحق : يكفي الحكم دون الإشهاد لعدم توقف الفتيا عليه ، فأما السلم في حائط معين ينقطع ثمره ، فليس له إلا الثمن ، ويمنع التأخير لفوات المعقود عليه ، وله أن يأخذ ما اتفقا عليه ولم يختلف في هذا ، كذهاب بعض الصبرة ، ولقوة شبهه بالعروض المعينة ، والأول في الذمة جزما ، إنما الخلاف في خروج الإبان ، وإذا فات بعض ثمر الحائط المعين : ففي الكتاب : يرجع ببقية الثمن ; لأن الثمن موزع على المبيع ، وقال الباجي : ذلك إذا اشترط أخذ المبيع في وقت معين أما في أيام تختلف فيها القيم : فالحساب بالقيمة ، واختاره التونسي وغيره ، وليس له أن يدفع ما خصه في سلعة تتأخر ; لأنه فسخ دين في دين ، بل في سلعة معجلة ، فإن تأخرت لمنفعة من إشهاد أو استخدام أجازه الباجي بغير شرط ، وإن شرط حبسها لغير منفعة : ففي الكتاب : لا يعجبني ولا أفسخه ; لأن المعين ليس بدين ، وإن كانت فيما لا يمكن تعجيله كالخادم فيها العهدة ، والبيع بالخيار قبل جذاذها ، وسكنى الدار ، منعه ابن القاسم لشبهه بالدين وأجازه أشهب ; لأن الدين لا يكون إلا في الذمم دون الأعيان ، قال صاحب التنبيهات : إذا خرج إبان الثمرة قبل قبضها فستة أقوال : يتأخر لإبان ثان ، له أخذ بقية الثمن الآن ، القولان لمالك ، ولابن القاسم : يخير المشتري في التأخير دون البائع للتفرقة بين قبض أكثر المبيع فيجوز التأخير لقابل ، وإلا فالمحاسبة الآن . لمالك ; لأن قبض الأقل مغتفر وتتغير المحاسبة الآن . لأشهب ، والمحاسبة الآن إلا أن يجتمعا على التأخير ، لأصبغ . قال اللخمي : وقول أشهب أصح إذا ذهبت [ ص: 279 ] الثمار بالجوائح السماوية ، وإن كان عدم القبض لرد البائع حتى خرج الإبان ، كان للطالب الخيار في التأخير ، وإن كان لهرب المشتري خير البائع ، قال : وأرى أن يدفع البائع التمر أو الرطب إلى الحاكم ; لأنه وكيل إذا خشي فساده ، قال : وإذا أخذ ورقا فيما بقي ورأس المال ذهب جاز إن كان الذهاب بالجوائح ; لعدم التهمة على الصرف المستأخر ، وعن مالك جوازه إذا كان الفوات لخروج الإبان ، وكذلك أخذ الطعام في الطعام ، وأما السلم في الحائط المعين فيتعذر الأخذ والقرية ينفسخ اتفاقا كالصبرة ، قال أبو الطاهر : في القرية والصبرة قولان كالحائط المعين ، وإلحاقها بالمضمون في الخلاف المتقدم لحصول الشبهين فيها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : أجاز في الكتاب : أخذ نوع من الحبوب بدلا من نوع آخر ; لأنها يباع بعضها ببعض ، وقال محمد : وكذلك لحم البقر في الضأن في يوم أجله ، ولا يعجل في ذلك اليوم أكثر ما له ; لئلا يكون بيعا للطعام قبل قبضه ، فإن أخذ أكثر وزاد امتنع ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه ، أو أدنى عرضا امتنع ، ويمتنع أخذ طير الماء في الدجاج والإوز ; لأنه يراد للحم وهما للتربية ، فهو بيع الحيوان باللحم ، ويمتنع أخذ العصافير المذبوحة في الحية ; لأنه بيع الحيوان باللحم ، وفي الكتاب : يجوز أخذ القميصين في الرايطة وجدت الرايطة أم لا ; لأن الرايطة ليست طعاما ، ولا ربا بينهما وبين القميصين .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب التنبيهات : الرايطة مثل الملاءة والملحفة إذا لم تلبس ، والمعروف في العربية : ريطة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية