الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الآمدي: "الحجة الثانية من جهة المناقضة للخصم والإلزام. وذلك من ثمانية أوجه : الأول : أن [من] مذهب الكرامية أنهم لا يجوزون إطلاق اسم متجدد على الله تعالى فيما لا يزال ، كما بيناه من قبل ، فلو قامت بذاته صفات حادثة لاتصف بها وتعدى إليه حكمها، كالعلم : فإنه إذا قام بمحل وجب اتصافه بكونه عالما ، [ ص: 97 ] وكذا في سائر الصفات القائمة بمحالها ، وسواء كان المحل قديما أو حادثا، وسواء كانت الصفة قديمة أو حادثة ، إذ لا فرق بين القديم والحادث، من حيث أنه محل قامت به صفته، إلا فيما يرجع إلى أمر خارج، فلا أثر له. وإذا ثبت ذلك فيلزم [أن يقال : إنه قائل بقول ، ومريد بإرادة، ويلزم من ذلك تجدد اسم لم يكن له قبل قيام الصفة الحادثة به ، وهو مناقض لمذهبهم" .

قلت : ولقائل أن يقول : هذا أمر اصطلاحي لفظي ، ليس بحثا عقليا ، فإن كونهم لا يسمونه إلا بما هو لازم لذاته دون ما يعرض لها، أمر اصطلحوا عليه، ولا يرد عليهم العلم والقدرة ونحوهما ، فإنه من لوازم ذاته ، ولعلهم يدعون في ذلك توقيفا ، كما يدعي غيرهم في كثير مما لا يطلقه من الأسماء .

وأيضا فيقال : هذا إما أن يكون لازما لهم وإما أن لا يكون لازما ، فإن لم يكن لازما بطل النقض به، وإن كان لازما أمكن التزامه ، وليس فيه إلا تجدد أسماء له مما تجدد من أفعاله .

والمنازع يقول بمثل ذلك في جميع الأفعال ، فإنه تجدد استحقاقه لأسمائها عند تجدد الأفعال، كالخالق والرازق ونحو ذلك .

وحينئذ فيمكن إذا كان هذا صوابا أن يجمع بين الصوابين ، فيقال بتجدد الحادث وتجدد الاسم أيضا . [ ص: 98 ]

وأيضا فيقال : الكرامية قالوا هذا لكونه عندهم متصفا في الأزل بصفات الكمال، وكون أسمائه كلها الأسماء الحسنى، التي تتضمن مدحا له وثناء عليه. وكون ذلك الحادث لا يمكن أن يكون أزليا، فلا يكون مما يوجب اسما .

وحينئذ فيقال : إما أن يمكن دوام نوع ذلك الحادث ، وإما أن لا يمكن ، فإن أمكن كانوا قد أخطأوا في نفي دوامه، وإن لم يمكن فإما أن يكون تجدد اسم له ممكنا أو لا يكون . فإن كان ممكنا أخطأوا في نفي ذلك الاسم ، وإن لم يكن ممكنا كانوا مصيبين. فبتقدير خطئهم على بعض التقديرات لا يلزم صواب قول منازعيهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية