الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8375 ) مسألة ; قال : ( ولا تقبل شهادة خصم ، ولا جار إلى نفسه ، ولا دافع عنها ) أما الخصم ، فهو نوعان ; أحدهما ، كل من خاصم في حق لا تقبل شهادته فيه كالوكيل لا تقبل شهادته فيما هو وكيل فيه ، ولا الوصي فيما هو وصي فيه ، ولا الشريك فيما هو شريك فيه ، ولا المضارب بمال أو حق للمضاربة . ولو غصب الوديعة من المودع ، وطالب بها ، لم تقبل شهادته فيها ، وكذلك ما أشبه هذا ; لأنه خصم فيه ، فلم تقبل شهادته به ، كالمالك .

                                                                                                                                            والثاني ، العدو ، فشهادته غير مقبولة على عدوه ، في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن ربيعة ، والثوري ، وإسحاق ، ومالك ، والشافعي . ويريد بالعداوة هاهنا العداوة الدنيوية ، مثل أن يشهد المقذوف على القاذف ، والمقطوع عليه الطريق على القاطع ، والمقتول وليه على القاتل ، والمجروح على الجارح ، والزوج يشهد على امرأته بالزنى ، فلا تقبل شهادته ; لأنه يقر على نفسه بعداوته لها ، لإفسادها فراشه .

                                                                                                                                            فأما العداوة في الدين ، كالمسلم يشهد على الكافر ، أو المحق من أهل السنة يشهد على مبتدع ، فلا ترد شهادته ; لأن العدالة بالدين ، والدين يمنعه من ارتكاب محظور دينه . وقال أبو حنيفة : لا تمنع العداوة الشهادة ; لأنها لا تخل بالعدالة ، فلا تمنع الشهادة ، كالصداقة . ولنا ، ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا زان ولا زانية ، ولا ذي غمر على أخيه } . رواه أبو داود . الغمر : الحقد . ولأن العداوة تورث التهمة . فتمنع الشهادة ، كالقرابة القريبة ، وتخالف الصداقة ; فإن في شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرة نفسه ، وبيع آخرته بدنيا غيره ، وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه ، بالتشفي من عدوه ، فافترقا . فإن قيل : فلم قبلتم شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة ؟ قلنا : العداوة هاهنا دينية ، والدين لا يقتضي شهادة الزور ، ولا أن يترك دينه بموجب دينه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية