الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم

                                                                                                                                                                                                                                      ولو أن أهل الكتاب ; أي : اليهود والنصارى ، على أن المراد بالكتاب : الجنس المنتظم للتوراة والإنجيل ، وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيدا للتشنيع ، فإن أهلية الكتاب توجب إيمانهم به وإقامتهم له لا محالة ، فكفرهم به وعدم إقامتهم له وهم أهله ، أقبح من كل قبيح وأشنع من كل شنيع .

                                                                                                                                                                                                                                      فمفعول قوله تعالى : آمنوا محذوف ثقة بظهوره مما سبق من قوله تعالى : هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ، وما لحق من قوله تعالى : ولو أنهم أقاموا التوراة ... إلخ ; أي : ولو أنهم مع صدور ما صدر عنهم من فنون الجنايات قولا وفعلا ، آمنوا بما نفي عنهم الإيمان به ، فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما إرادة إيمانهم به صلى الله عليه وسلم خاصة فيأباها المقام ; لأن ما ذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به صلى الله عليه وسلم ، إنما ذكر مشفوعا بكفرهم بكتابهم أيضا ، قصدا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلى الله عليه وسلم مستلزم الكفر بكتابهم ، فحمل الإيمان ههنا على الإيمان به صلى الله عليه وسلم خاصة مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم .

                                                                                                                                                                                                                                      واتقوا ما عددنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفة كتابهم .

                                                                                                                                                                                                                                      لكفرنا عنهم سيئاتهم التي اقترفوها ، وإن كانت في غاية العظم ونهاية الكثرة ، ولم نؤاخذهم بها ، ولأدخلناهم مع ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      جنات النعيم وتكرير اللام لتأكيد الوعد ، وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم ، وأن الإسلام يجب ما قبله من السيئات ، وإن جلت وجاوزت كل حد معهود .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية