الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، وأضلوا بكلامهم بشرا كثيرا، فكان مما بلغنا من أمر الجهم عدو الله أنه كان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله، فلقي أناسا من المشركين يقال لهم: السمنية فعرفوا الجهم، فقالوا: نكلمك فإن ظهرت حجتنا [ ص: 321 ] عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، وكان مما كلموا به الجهم أن قالوا: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال الجهم: نعم، فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا، قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا، قالوا: فشممت له رائحة؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له حسا؟ قال: لا، قالوا له: فوجدت له مجسا؟ قال: لا، قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما، ثم إنه استدرك حجة مثل زنادقة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هي روح الله من ذات الله، فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه، فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء وينهى عما شاء، وهو روح غائب عن الأبصار، فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة، فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحا؟ قال: نعم، قال: فهل رأيت روحك؟ قال: لا، قال: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا، قال: فوجدت له حسا أو مجسا؟ قال: لا، قال: فكذلك الله لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان، ووجد ثلاث آيات من المتشابه من القرآن قوله ليس كمثله شيء [الشورى: 11] وهو [ ص: 322 ] الله في السماوات وفي الأرض [الأنعام: 3] لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار [الأنعام: 103] فبنى أصل إضلاله على هؤلاء الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث به رسوله كان كافرا، وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشرا كثيرا واتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة، ووضع دين الجهمية، فإذا سألهم الناس عن قول الله عز وجل ليس كمثله شيء [الشورى: 11] يقولون: ليس كمثله شيء من الأشياء وهو تحت الأرضين السابعة كما هو على العرش، ولا يخلو منه مكان. ولا يكون في مكان دون مكان، [ ص: 323 ] ولا يكلم ولا يتكلم، ولا ينظر إليه أحد في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يوصف بصفة ولا بفعل، ولا له غاية ولا له منتهى ولا يدرك بعقل". وذكر تمام كلامه، وقد كتبناه قبل هذا، إلى أن قال: " فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئا، ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية" وذكر تمام الكلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية