الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " فلما جاوزه هو " فلما جاوز النهر طالوت . " والهاء " في " جاوزه " عائدة على النهر وهو كناية [ ص: 346 ] اسم طالوت . وقوله : " والذين آمنوا معه " يعني : وجاوز النهر معه الذين آمنوا . قالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده .

ثم اختلف في عدة من جاوز النهر معه يومئذ ، ومن قال منهم : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " .

فقال بعضهم : كانت عدتهم عدة أهل بدر : ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلا .

ذكر من قال ذلك :

5724 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال : حدثنا مصعب بن المقدام وحدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قالا جميعا : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا النهر معه ، ولم يجز معه إلا مؤمن : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا .

5725 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت : ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلا الذين جاوزوا النهر . [ ص: 347 ]

5726 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : كنا نتحدث أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا على عدة أصحاب طالوت من جاز معه ، وما جاز معه إلا مؤمن .

5727 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بنحوه .

5728 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : كنا نتحدث أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جاوزوا النهر ، وما جاوز معه إلا مسلم .

5729 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا مسعر ، عن أبي إسحاق ، عن البراء مثله .

5730 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم بدر : أنتم بعدة [ ص: 348 ] أصحاب طالوت يوم لقي . وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا .

5731 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : محص الله الذين آمنوا عند النهر ، وكانوا ثلاثمائة ، وفوق العشرة ودون العشرين ، فجاء داود - صلى الله عليه وسلم - فأكمل به العدة .

وقال آخرون : بل جاوز معه النهر أربعة آلاف ، وإنما خلص أهل الإيمان منهم من أهل الكفر والنفاق ، حين لقوا جالوت .

ذكر من قال ذلك :

5732 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : عبر مع طالوت النهر من بني إسرائيل أربعة آلاف ، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت ، رجعوا أيضا وقالوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " . فرجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ، وخلص في ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر .

5733 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : لما جاوزه هو والذين آمنوا معه ، قال الذين شربوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما روي عن ابن عباس وقاله السدي ; وهو أنه جاوز النهر مع طالوت المؤمن الذي لم يشرب من النهر إلا الغرفة ، والكافر الذي شرب منه الكثير . ثم وقع التمييز بينهم بعد ذلك برؤية جالوت [ ص: 349 ] ولقائه ، وانخزل عنه أهل الشرك والنفاق وهم الذين قالوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " ومضى أهل البصيرة بأمر الله على بصائرهم ، وهم أهل الثبات على الإيمان ، فقالوا : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " .

فإن ظن ذو غفلة أنه غير جائز أن يكون جاوز النهر مع طالوت إلا أهل الإيمان الذين ثبتوا معه على إيمانهم ، ومن لم يشرب من النهر إلا الغرفة ؛ لأن الله - تعالى ذكره - قال : " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه " فكان معلوما أنه لم يجاوز معه إلا أهل الإيمان على ما روي به الخبر عن البراء بن عازب ؛ ولأن أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النهر كما جاوزه أهل الإيمان ، لما خص الله بالذكر في ذلك أهل الإيمان فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن . وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الفريقان - أعني فريق الإيمان وفريق الكفر جاوزوا النهر ، وأخبر الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - عن المؤمنين بالمجاوزة ؛ لأنهم كانوا من الذين جاوزوه مع ملكهم وترك ذكر أهل الكفر ، وإن كانوا قد جاوزوا النهر مع المؤمنين .

والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك قول الله - تعالى ذكره - : " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " فأوجب الله - تعالى ذكره - أن " الذين يظنون أنهم ملاقو الله " هم الذين قالوا عند مجاوزة النهر : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " دون غيرهم الذين لا يظنون أنهم ملاقو [ ص: 350 ] الله - وأن " الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله " هم الذين قالوا : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " . وغير جائز أن يضاف الإيمان إلى من جحد أنه ملاقي الله ، أو شك فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية