الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كهل

                                                          كهل : الكهل : الرجل إذا وخطه الشيب ورأيت له بجالة ، وفي الصحاح : الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب . وفي فضل أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما : هذان سيدا كهول الجنة ، وفي رواية : كهول الأولين والآخرين ؛ قال ابن الأثير : الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقيل : هو من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين ؛ وقد اكتهل الرجل وكاهل إذا بلغ الكهولة فصار كهلا ؛ وقيل : أراد بالكهل ها هنا الحليم العاقل أي أن الله يدخل أهل الجنة الجنة حلماء عقلاء ، وفي المحكم : وقيل هو من أربع وثلاثين إلى إحدى وخمسين . قال الله تعالى في قصة عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام : ويكلم الناس في المهد وكهلا ، قال الفراء : أراد ومكلما الناس في المهد وكهلا ؛ والعرب تضع يفعل في موضع الفاعل إذا كانا في معطوفين مجتمعين في الكلام كقول الشاعر :

                                                          بت أعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها ، وجائر

                                                          أراد قاصد في أسوقها وجائر ، وقد قيل : إنه عطف الكهل على الصفة ، أراد بقوله في المهد صبيا وكهلا ، فرد الكهل على الصفة كما قال دعانا لجنبه أو قاعدا ؛ روى المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال : ذكر الله - عز وجل - لعيسى آيتين ؛ تكليمه الناس في المهد فهذه معجزة ، والأخرى نزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كهلا ابن ثلاثين سنة يكلم أمة محمد فهذه الآية الثانية . قال أبو منصور : وإذا بلغ الخمسين فإنه يقال له كهل ؛ ومنه قوله :

                                                          هل كهل خمسين إن شاقته منزلة مسفه رأيه فيها ومسبوب ؟

                                                          فجعله كهلا وقد بلغ الخمسين . ابن الأعرابي : يقال للغلام مراهق ثم محتلم ، ثم يقال تخرج وجهه ، ثم اتصلت لحيته ، ثم مجتمع ثم كهل ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ؛ قال الأزهري : وقيل له كهل حينئذ لانتهاء شبابه وكمال قوته ، والجمع كهلون وكهول وكهال وكهلان ؛ قال ابن ميادة :

                                                          وكيف ترجيها وقد حال دونها بنو أسد ، كهلانها وشبابها ؟

                                                          وكهل ؛ قال : وأراها على توهم كاهل ، والأنثى كهلة من نسوة كهلات ، وهو القياس لأنه صفة ، وقد حكي فيه عن أبي حاتم تحريك الهاء ولم يذكره النحويون فيما شذ من هذا الضرب . قال بعضهم : قلما يقال للمرأة كهلة مفردة حتى يزوجوها بشهلة ، يقولون شهلة كهلة . غيره : رجل كهل وامرأة كهلة إذا انتهى شبابهما ، وذلك عند استكمالهما ثلاثا وثلاثين سنة ، قال : وقد يقال امرأة كهلة ولم يذكر معها شهلة ؛ قال ذلك الأصمعي وأبو عبيدة وابن الأعرابي ؛ قال الشاعر :


                                                          ولا أعود بعدها كريا أمارس الكهلة والصبيا     والعزب المنفه الأميا



                                                          واكتهل أي صار كهلا ، ولم يقولوا كهل إلا أنه قد جاء في الحديث : هل في أهلك من كاهل ؟ ويروى : من كاهل أي من دخل حد الكهولة وقد تزوج ، وقد حكى أبو زيد : كاهل الرجل تزوج . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل رجلا أراد الجهاد معه فقال : هل في أهلك من كاهل ؟ يروى بكسر الهاء على أنه اسم ، ويروى من كاهل بفتح الهاء على أنه فعل ، بوزن ضارب وضارب ، وهما من الكهولة ؛ يقول : هل فيهم من أسن وصار كهلا ؟ وذكر عن أبي سعيد الضرير أنه رد على أبي عبيد هذا التفسير وزعم أنه خطأ ، قد يخلف الرجل الرجل في أهله كهلا وغير كهل ، قال : والذي سمعناه من العرب من غير مسألة أن الرجل الذي يخلف الرجل في أهله يقال له الكاهن ، وقد كهن يكهن كهونا ، قال : ولا يخلو هذا الحرف من شيئين أحدهما أن يكون المحدث ساء سمعه فظن أنه كاهل وإنما هو كاهن ، أو يكون الحرف تعاقب فيه بين اللام والنون كما يقال هتنت السماء وهتلت ، والغرين والغريل وهو ما يرسب أسفل قارورة الدهن من ثفله ، ويرسب من الطين أسفل الغدير ، وفي أسفل القدر من مرقه ؛ عن الأصمعي ، قال الأزهري : وهذا الذي قاله أبو سعيد له وجه غير أنه بعيد ، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم : هل في أهلك من كاهل أي في أهلك من تعتمده للقيام بشأن عيالك الصغار ومن تخلفه ممن يلزمك عوله ، فلما قال له : ما هم إلا أصيبية صغار ، أجابه فقال : تخلف وجاهد فيهم ولا تضيعهم . والعرب تقول : مضر كاهل العرب وسعد كاهل تميم ، وفي النهاية : وتميم كاهل مضر ، وهو مأخوذ من كاهل البعير ، وهو مقدم ظهره وهو الذي يكون عليه المحمل ، قال : وإنما أراد بقوله : هل في أهلك ، من تعتمد عليه في القيام بأمر من تخلف من صغار ولدك لئلا يضيعوا ، ألا تراه قال له : ما هم إلا أصيبية صغار ، فأجابه وقال : ففيهم فجاهد ، قال : وأنكر أبو سعيد الكاهل ، وقال : هو كاهن كما تقدم ؛ وقول أبي خراش الهذلي :


                                                          فلو كان سلمى جاره أو أجاره     رماح ابن سعد رده طائر كهل



                                                          قال ابن سيده : لم يفسره أحد ، قال : وقد يمكن أن يكون جعله كهلا مبالغة به في الشدة . الأزهري : يقال طار لفلان طائر كهل إذا كان له جد وحظ في الدنيا . ونبت كهل : متناه .

                                                          [ ص: 127 ] واكتهل النبت : طال وانتهى منتهاه ؛ وفي الصحاح : تم طوله وظهر نوره ؛ قال الأعشى :


                                                          يضاحك الشمس منها كوكب     شرق مؤزر بعميم النبت مكتهل



                                                          وليس بعد اكتهال النبت إلا التولي ؛ وقول الأعشى يضاحك الشمس معناه يدور معها ، ومضاحكته إياها حسن له ونضرة ، والكوكب : معظم النبات ، والشرق : الريان الممتلئ ماء ، والمؤزر : الذي صار النبت كالإزار له ، والعميم : النبت الكثيف الحسن ، وهو أكثر من الجميم ؛ يقال : نبت عميم ومعتم وعمم . واكتهلت الروضة إذا عمها نبتها ، وفي التهذيب : نورها . ونعجة مكتهلة إذا انتهى سنها . المحكم : ونعجة مكتهلة مختمرة الرأس بالبياض ، وأنكر بعضهم ذلك . والكاهل : مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق ، وهو الثلث الأعلى فيه ست فقر ؛ قال امرؤ القيس يصف فرسا :


                                                          له حارك كالدعص لبده الثرى     إلى كاهل مثل الرتاج المضبب



                                                          وقال النضر : الكاهل ما ظهر من الزور ، والزور ما بطن من الكاهل ؛ وقال غيره : الكاهل من الفرس ما ارتفع من فروع كتفيه ؛ وأنشد :


                                                          وكاهل أفرع فيه مع ال     إفراع إشراف وتقبيب



                                                          وقال أبو عبيدة : الحارك فروع الكتفين ، وهو أيضا الكاهل ، قال : والمنسج أسفل من ذلك ، والكائبة مقدم المنسج ؛ وقيل : الكاهل من الإنسان ما بين كتفيه ، وقيل : هو موصل العنق في الصلب ، وقيل : هو في الفرس خلف المنسج ، وقيل : هو ما شخص من فروع كتفيه إلى مستوى ظهره . ويقال للشديد الغضب والهائج من الفحول : إنه لذو كاهل ، حكاه ابن السكيت في كتابه الموسوم بالألفاظ ، وفي بعض النسخ : إنه لذو صاهل ، بالصاد ؛ وقوله :


                                                          طويل متل العنق أشرف كاهلا     أشق رحيب الجوف معتدل الجرم



                                                          وضع الاسم فيه موضع الظرف كأنه قال : ذهب صعدا . وإنه لشديد الكاهل أي منيع الجانب ؛ قال الأزهري : سمعت غير واحد من العرب يقول فلان كاهل بني فلان أي معتمدهم في الملمات وسندهم في المهمات ، وهو مأخوذ من كاهل الظهر لأن عنق الفرس يتساند إليه إذا أحضر ، وهو محمل مقدم قربوس السرج ومعتمد الفارس عليه ؛ ومن هذا قول رؤبة يمدح معدا :


                                                          إذا معد عدت الأوائلا     فابنا نزار فرجا الزلازلا
                                                          حصنين كانا لمعد كاهلا     ومنكبين اعتليا التلاتلا



                                                          أي كانا ، يعني ربيعة ومضر ، عمدة أولاد معد كلهم . وفي كتابه إلى أهل اليمن في أوقات الصلاة والعشاء : إذا غاب الشفق إلى أن تذهب كواهل الليل أي أوائله إلى أوساطه تشبيها لليل بالإبل السائرة التي تتقدم أعناقها وهواديها وتتبعها أعجازها وتواليها . والكواهل : جمع كاهل ، وهو مقدم أعلى الظهر ؛ ومنه حديث عائشة : وقرر الرءوس على كواهلها أي أثبتها في أماكنها كأنها كانت مشفية على الذهاب والهلاك . الجوهري : الكاهل الحارك ، وهو ما بين الكتفين . قال النبي - صلى الله عليه وسلم : تميم كاهل مضر وعليها المحمل . قال ابن بري : الحارك فرع الكاهل ؛ هكذا قال أبو عبيدة ، قال : وهو عظم مشرف اكتنفه فرعا الكتفين ؛ قال : وقال بعضهم هو منبت أدنى العرف إلى الظهر ، وهو الذي يأخذ به الفارس إذا ركب . أبو عمرو : يقال للرجل إنه لذو شاهق وكاهل وكاهن ، بالنون واللام ، إذا اشتد غضبه ، ويقال ذلك للفحل عند صياله حين تسمع له صوتا يخرج من جوفه . والكهلول : الضحاك ، وقيل : الكريم ، عاقبت اللام الراء في كهرور . ابن السكيت : الكهلول والرهشوش والبهلول كله السخي الكريم . والكهول : العنكبوت وحق الكهول بيته . وقال عمرو بن العاص لمعاوية حين أراد عزله عن مصر : إني أتيتك من العراق وإن أمرك كحق الكهول أو كالجعدبة أو كالكعدبة ، فما زلت أسدي وألحم حتى صار أمرك كفلكة الدرارة ، وكالطراف الممدد ؛ قال ابن الأثير : هذه اللفظ قد اختلف فيها ، فرواها الأزهري بفتح الكاف وضم الهاء ، وقال : هي العنكبوت ، ورواها الخطابي والزمخشري بسكون الهاء وفتح الكاف والواو ، وقالا : هي العنكبوت ولم يقيدها القتيبي ، ويروى : كحق الكهدل ، بالدال بدل الواو ، وقال القتيبي : أما حق الكهدل فلم أسمع شيئا ممن يوثق بعلمه بمعنى أنه بيت العنكبوت ، ويقال : إنه ثدي العجوز ، وقيل : العجوز نفسها ، وحقها ثديها ، وقيل غير ذلك ؛ والجعدبة : النفاخات التي تكون من ماء المطر ، والكعدبة : بيت العنكبوت ، وكل ذلك مذكور في موضعه . وكاهل وكهل وكهيل : أسماء يجوز أن يكون تصغير كهل وأن يكون تصغير كاهل تصغير الترخيم ، قال ابن سيده : وأن يكون تصغير كهل أولى لأن تصغير الترخيم ليس بكثير في كلامهم . وكهيلة : موضع رمل ؛ قال :


                                                          عميرية حلت برمل كهيلة     فبينونة تلقى لها الدهر مرتعا



                                                          الجوهري : كاهل أبو قبيلة من الأسد ، وهو كاهل بن أسد بن خزيمة ، وهم قتلة أبي امرئ القيس . وكنهل ، بالكسر : اسم موضع أو ماء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية