الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8402 ) مسألة ; قال : ( ومن شهد بشهادة قد كان شهد بها وهو غير عدل ، وردت عليه ، لم تقبل منه في حال عدالته ) وجملته أن الحاكم إذا شهد عنده فاسق ، فرد شهادته لفسقه ، ثم تاب وأصلح ، وأعاد تلك الشهادة ، لم يكن له أن يقبلها . وبهذا قال الشافعي ، وأصحاب الرأي . وقال أبو ثور ، والمزني ، وداود : تقبل . قال ابن المنذر : والنظر يدل على هذا ; لأنها شهادة عدل ، فتقبل ، كما لو شهد وهو كافر فردت شهادته ، ثم شهد بها بعد إسلامه .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه متهم في أدائها ; لأنه يعير بردها ، ولحقته غضاضة لكونها ردت بسبب نقص يتعير به ، وصلاح حاله بعد ذلك من فعله يزول به العار ، فتلحقه التهمة في أنه قصد إظهار العدالة ، وإعادة الشهادة لتقبل ، فيزول ما حصل بردها ; ولأن الفسق يخفى ، فيحتاج في معرفته إلى بحث واجتهاد ، فعند ذلك نقول : شهادة مردودة بالاجتهاد ، فلا تقبل بالاجتهاد ; لأن ذلك يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد . وفارق ما إذا ردت شهادة كافر [ ص: 195 ] لكفره ، أو صبي لصغره ، أو عبد لرقه ، ثم أسلم الكافر ، وبلغ الصبي ، وعتق العبد ، وأعادوا تلك الشهادة ، فإنها لا ترد ; لأنها لم ترد أولا بالاجتهاد ، وإنما ردت باليقين ، ولأن البلوغ والحرية ليسا من فعل الشاهد ، فيتهم في أنه فعلهما لتقبل شهادته ، والكافر لا يرى كفره عارا ، ولا يترك دينه من أجل شهادة ردت عليه .

                                                                                                                                            وقد روي عن النخعي ، والزهري ، وقتادة ، وأبي الزناد ، ومالك ، أنها ترد أيضا في حق من أسلم وبلغ ، وعن أحمد ، رواية أخرى كذلك ; لأنها شهادة مردودة ، فلم تقبل ، كشهادة من كان فاسقا . وقد ذكرنا ما يقتضي فرقا بينهما فيفرقان . وروي عن أحمد ، في العبد إذا ردت شهادته لرقه ، ثم عتق ، وادعى تلك الشهادة ، روايتان . وقد ذكرنا أن الأولى أن شهادته تقبل ; لأن العتق من غير فعله ، وهو أمر يظهر ، بخلاف الفسق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية