الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                نشأت من هذه القاعدة قاعدة رابعة ، وهي ما 35 - إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما .

                قال الزيلعي في باب شروط الصلاة : ثم الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلي ببليتين ، وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء ، وإن اختلفا يختار أهونهما ; لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ولا ضرورة في حق الزيادة .

                مثاله : رجل عليه جرح لو سجد سال جرحه ، وإن لم يسجد لم يسل ، فإنه يصلي قاعدا [ ص: 287 ] يومئ بالركوع والسجود ; لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث .

                ألا ترى أن ترك السجود جائز حالة الاختيار في التطوع على الدابة 36 - ، ومع الحدث لا يجوز بحال .

                وكذا شيخ لا يقدر على القراءة قائما ويقدر عليها قاعدا ، يصلي قاعدا ; لأنه يجوز حالة الاختيار في النفل 37 - ولا يجوز ترك القراءة بحال ، ولو صلى في الفصلين قائما مع الحدث ، وترك القراءة لم يجز ، ولو كان معه ثوبان نجاسة كل واحد منهما أكثر من قدر الدرهم ، يتخير ما لم يبلغ أحدهما قدر ربع الثوب لاستوائهما في المنع ، ولو كان دم أحدهما قدر الربع ، ودم الآخر أقل يصلي في أقلهما دما ، ولا يجوز عكسه ; لأن للربع حكم الكل ، ولو كان في كل واحد منهما قدر الربع أو كان في أحدهما أكثر 38 - لكن لا يبلغ ثلاثة أرباعه ، وفي الآخر قدر الربع ، صلى في أيهما شاء ; لاستوائهما في الحكم ، والأفضل أن يصلي في أقلهما نجاسة .

                ولو كان ربع أحدهما طاهرا ، والآخر أقل من الربع يصلي في الذي ربعه طاهر ، ولا يجوز في العكس .

                ولو أن [ ص: 288 ] امرأة لو صلت قائمة ينكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة ، ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء ; فإنها تصلي قاعدة ; لما ذكرنا أن ترك القيام أهون .

                ولو كان الثوب يغطي جسدها ، وربع رأسها وتركت تغطية الرأس لا يجوز ، ولو كان يغطي أقل من الربع لا يضرها تركه ; لأن للربع حكم الكل ، وما دونه لا يعطى له حكم الكل والستر أفضل تقليلا للانكشاف ( انتهى )

                التالي السابق


                ( 35 ) قوله : إذا تعارض مفسدتان إلخ : فيه أن هذا عين السابقة في الحقيقة ، واختلف العنوان لا غير فتأمل [ ص: 287 ]

                قوله : ومع الحدث لا يجوز بحال ، لا يقال تجوز الصلاة معه لصاحب العذر ; لأنا نقول : المراد عدم جوازها معه لغير صاحب العذر .

                ( 37 ) قوله : ولا يجوز ترك القراءة بحال ، يعني لغير الأخرس والأمي ( 38 ) قوله : لكن لا يبلغ ثلاثة أرباعه : مفهومه أنه إذا بلغ لم يكن الحكم كذلك ، ولا يخفى أن كون الربع يقوم مقام الكل يقتضي التساوي ، وإن بلغ ثلاثة أرباعه وقضيته أنه يتخير حينئذ أيضا فلا يكون للتقييد فائدة




                الخدمات العلمية