الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4496 [ ص: 94 ] ( 30 ) ومن سورة الروم

                                                                                                                                                                                                                              1 - ( باب )

                                                                                                                                                                                                                              فلا يربو [ الروم: 39]: من أعطى يبتغي أفضل فلا أجر له فيها. قال مجاهد: يحبرون [ الروم: 15]: ينعمون. يمهدون [ الروم: 44]: يسوون المضاجع، الودق [ الروم: 48]: المطر. قال ابن عباس: هل لكم من ما ملكت أيمانكم [ الروم: 28] في الآلهة، وفيه تخافونهم [ الروم: 28] أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا. يصدعون [ الروم: 43]: يتفرقون، فاصدع [ الحجر: 94] وقال غيره: ضعف وضعف لغتان. وقال مجاهد السوأى [ الروم: 10]: الإساءة، جزاء المسيئين.

                                                                                                                                                                                                                              4774 - حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا منصور والأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال بينما رجل يحدث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام. ففزعنا، فأتيت ابن مسعود، وكان متكئا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم. فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم. فإن الله قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان"، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمرنا بصلة [ ص: 95 ] الرحم، وإن قومك قد هلكوا فادع الله، فقرأ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين [ الدخان: 10] إلى قوله: ( عائدون ) [ الدخان: 15] أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى [ الدخان: 16] يوم بدر ولزاما يوم بدر الم غلبت الروم [ الروم: 1، 2] إلى سيغلبون [ الروم: 3] والروم قد مضى. [ انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8 \ 511]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هي مكية. وروى الواحدي من حديث الأعمش ، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب بذلك المؤمنون فنزلت: الم غلبت الروم إلى قوله: ويومئذ يفرح المؤمنون قال: فرح المسلمون بظهور الروم على أهل فارس.

                                                                                                                                                                                                                              قال السخاوي : نزلت بعد: إذا السماء انشقت وقبل العنكبوت.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              قال هشام بن محمد كما نقله أبو عمر في كتاب "القصد والأمم": من ولد يافث بن نوح رومي بن لنطي بن يونان بن يافث، وهم الروم الأول، أما الروم الثاني الذي رجع الملك إليهم فهم من ولد رومي بن لنطي من ولد عيص بن إسحاق، غلبوا على اليونانيين فبطل ذكر الأولين، وغلب هؤلاء على الملك، ولما قال ( أمير المؤمنين ) لعمرو بن العاصي: أنتم أقرب إلينا نسبا، نحن بنو العيص بن إسحاق وأنتم بنو إسماعيل بن إبراهيم، قال له عمرو : صدقت. زاد الرشاطي: ورومي يقال له: [ ص: 96 ] رومانس الثاني، وهو الذي بنى مدينة رومية فنسبت إليهم، ورومي معرب من ولد رومانس والروم في لغتهم لا [ يسمعون] أنفسهم ولا يدعوهم أهل الثغور إلا رومانس.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقوم من الروم يزعمون أنهم من قضاعة من تنوخ وبهراء وسليخ، ومنهم قوم يزعمون أنهم من إياد وقوم ينسبون إلى غسان من آل جفنة، وعند [ الواحدي ]: صار اسم أبيهم لهم كالاسم للقبيلة. قال: وإن شئت هو جمع رومي منسوبا إلى الروم ابن عيص. وعند أهل اللغة: رام الشيء يرومه روما، أي: طلبه. وأهل هذه البلاد يسمونهم الإفرنج. وقال ابن صاعد في "طبقاته": كانت الروم فيها صابئة يعبدون الكواكب إلى أن قام قسطنطين بن هيلان باني القسطنطينية بدين النصرانية، ودعا الروم إلى الشرع به فأطاعوه وتنصروا عن آخرهم ورفضوا دينهم من تعظيمهم الهياكل وعبادة الأوثان وغير ذلك من شريعة النصرانية، ولم يزل دين النصرانية يفشو ويظهر إلى أن دخل فيه أكثر الأمم المجاورة للروم من الإفرنجية الجلالقة والصقالبة وبرجان [ والفرس] وجميع أهل مصر من القبط وجمهور السودان من الحبشة والنوبة وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال مجاهد : يحبرون : ينعمون ) أسنده الحنظلي من حديث ابن أبي نجيح عنه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 97 ] وقال ابن عباس : يكرمون.

                                                                                                                                                                                                                              وقال يحيى بن كثير وغيره: السماع في الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( فلا يربو عند الله : من أعطى عطية يبتغي بها أفضل فلا أجر له فيها ). هو قول سعيد بن جبير وغيره، وهو ربا حلال لا أجر فيه ولا وزر ، وهذا في حق الأمة، أما في حقه - عليه السلام - فهو حرام عليه ; لقوله تعالى: ولا تمنن تستكثر [ المدثر: 6] وقيل في الآية غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( يمهدون : يسوون المضاجع ) أي: يوطئون مقار أنفسهم في القبور أو في الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( الودق : المطر. قال ابن عباس : هل لكم من ما ملكت أيمانكم في الآلهة، وفيه تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي عنه.

                                                                                                                                                                                                                              قال قتادة : وهو مثل ضربه الله للمشركين: فهل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في نفسه وماله مثله، فإذا لم ترضوا بهذا فكيف تجعلون لله شريكا ؟!

                                                                                                                                                                                                                              زاد غيره: وليس كمثله شيء، ولا تجعلون عبيدكم مثلكم وأنتم كلكم أرقاء لله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( يصدعون : يتفرقون ) قيل: هو بمعنى قوله: يومئذ يصدر الناس أشتاتا [ ص: 98 ] [ الزلزلة: 6] وقيل: هو ما ذكر بعده من عمل صالح أو من كفر. وقيل: هو تفاوت المنازل.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال غيره: ضعف وضعف لغتان ) قلت: كذا قال الخليل، ويقال الضعف في الجسد، والضعف في العقل.

                                                                                                                                                                                                                              وعبارة ابن التين: وقيل: هو بالضم، ما كان من الخلق، وبالفتح ما سفل، المعنى: خلقكم من المني، أي: في حال ضعف.

                                                                                                                                                                                                                              ( ص ) ( وقال مجاهد : السوأى أي: الإساءة، جزاء المسيئين ) أي: العاقبة السيئة وهي النار. قال ابن التين: ضبط الإساء بالمد وكتب بالألف وفتح الهمزة، وفي بعض الكتب بكسر الهمزة والمد، وفي بعض الأمهات بالفتح والقصر، وكذلك هو في اللغة مقصور يكتب بالألف ; لأنك تقول: رجل أسيان. وقد قالوا: أسوان، فجائز على هذا القول كتبه بالألف، وأصله أسيت آسي، أي: حزنت، ومنه قوله تعالى: فكيف آسى على قوم كافرين [ الأعراف: 93] فأما السوء: فهو أشد الشر، والسوأى فعل منه، ومعنى ( أساؤوا ): أشركوا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق من حديث أبي الضحى -مسلم بن صبيح الكوفي العطار- عن مسروق عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقد سلف في الاستسقاء مختصرا، ويأتي أيضا في الدخان مختصرا، فراجعه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية