الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب سهمان الخيل قال الله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه قال أبو بكر : ظاهره يقتضي المساواة بين الفارس والراجل ، وهو خطاب لجميع الغانمين وقد شملهم هذا الاسم ، ألا ترى أن قوله تعالى : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك قد عقل من ظاهره استحقاقهن للثلثين على المساواة ؟ وكذلك من قال : هذا العبد لهؤلاء أنه لهم بالمساواة ما لم يذكر التفضيل ، كذلك مقتضى قوله تعالى : غنمتم يقتضي أن يكونوا متساوين ؛ لأن قوله : غنمتم عبارة عن ملكهم له .

وقد اختلف في سهم الفارس .

[ ص: 240 ] ذكر الخلاف في ذلك

قال أبو حنيفة : { للفارس سهمان وللراجل سهم } . وقال أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى ومالك والثوري والليث والأوزاعي والشافعي : { للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم } .

وروي مثل قول أبي حنيفة عن المنذر بن أبي حمصة عامل عمر أنه جعل للفارس سهمين وللراجل سهما فرضيه عمر ومثله عن الحسن البصري .

وروى شريك عن أبي إسحاق قال : قدم قثم بن العباس على سعيد بن عثمان بخراسان وقد غنموا ، فقال : اجعل جائزتك أن أضرب لك بألف سهم ، فقال : اضرب لي بسهم ولفرسي بسهم . قال أبو بكر : قد بينا أن ظاهر الآية يقتضي المساواة بين الفارس والراجل ، فلما اتفق الجميع على تفضيل الفارس بسهم فضلناه وخصصنا به للظاهر وبقي حكم اللفظ فيما عداه وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا يعقوب بن غيلان العماني قال : حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي قال : حدثنا عبد الله بن رجاء عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين وللراجل سهما ؛ قال عبد الباقي : لم يجئ به عن الثوري غير محمد بن الصباح . قال أبو بكر : وقد حدثنا عبد الباقي قال : حدثنا بشر بن موسى قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه .

واختلف حديث عبيد الله بن عمر في ذلك ، وجائز أن يكونا صحيحين بأن يكون أعطاه بديا سهمين وهو المستحق ثم أعطاه في غنيمة أخرى ثلاثة أسهم وكان السهم الزائد على وجه النفل ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع المستحق ، وجائز أن يتبرع بما ليس بمستحق على وجه النفل كما ذكر ابن عمر في حديث قد قدمنا ذكر سنده أنه كان في سرية قال : فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا الحسن بن الكميت الموصلي قال : حدثنا صبيح بن دينار قال : حدثنا عفيف بن سالم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهما وهذا إن ثبت فلا حجة فيه لأبي حنيفة ؛ لأن قسمة يوم بدر لم تكن مستحقة للجيش ؛ لأن الله تعالى جعل الأنفال للرسول صلى الله عليه وسلم وخيره في إعطائه من رأى ، ولو لم يعطهم شيئا لكان جائزا فلم تكن قسمة الغنيمة مستحقة يومئذ وإنما وجبت بعد ذلك بقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء [ ص: 241 ] فأن لله خمسه ونسخ بهذا الأنفال التي جعلها للرسول في جملة الغنيمة وقد روى مجمع بن جارية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم خيبر فجعل للفارس سهمين وللراجل سهما ، وروى ابن الفضيل عن الحجاج عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما . وهذا خلاف رواية مجمع بن جارية ، وقد يمكن الجمع بينهما بأن يكون قسم لبعض الفرسان سهمين وهو المستحق وقسم لبعضهم ثلاثة أسهم وكان السهم الزائد على وجه النفل ، كما روى سلمة بن الأكوع : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه في غزوة ذي قرد سهمين سهم الفارس والراجل وكان راجلا يومئذ وكما روي أنه أعطى الزبير يومئذ أربعة أسهم . وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان يضرب له في المغنم بأربعة أسهم ، وهذه الزيادة كانت على وجه النفل تحريضا لهم على إيجاف الخيل ، كما كان ينفل سلب القتيل ويقول : من أصاب شيئا فهو له تحريضا على القتال .

فإن قيل : لما اختلفت الأخبار كان خبر الزائد أولى : قيل له : هذا إذا ثبتت الزيادة كانت على وجه الاستحقاق ، فأما إذا احتمل أن تكون على وجه النفل فلم تثبت هذه الزيادة مستحقة . وأيضا فإن في خبرنا إثبات زيادة لسهم الراجل لأنه كلما نقص نصيب الفارس زاد نصيب الراجل ، ويدل على ما ذكرنا من طريق النظر أن الفرس لما كان آلة كان القياس أن لا يسهم له كسائر الآلات ، فتركنا القياس في السهم الواحد والباقي محمول على القياس ؛ وعلى هذا لو حضر الفرس دون الرجل لم يستحق شيئا ولو حضر الرجل دون الفرس استحق ، فلما لم يجاوز بالرجل سهما واحدا كان الفرس به أولى . وأيضا الرجل آكد أمرا في استحقاق السهم من الفرس ، بدلالة أن الرجال وإن كثروا استحقوا سهامهم ، ولو حضرت جماعة أفراس لرجل واحد لم يستحق إلا لفرس واحد ، فلما كان الرجل آكد أمرا من الفرس ولم يستحق أكثر من سهم فالفرس أحرى بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية