الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كيد

                                                          كيد : كاد يفعل كذا كيدا : قارب . قال ابن سيده : قال سيبويه : [ ص: 141 ] لم يستعملوا الاسم والمصدر اللذين في موضعهما يفعل في كاد وعسى ، يعني أنهم لا يقولون كاد فاعلا أو فعلا فترك هذا من كلامهم للاستغناء بالشيء عن الشيء ، وربما خرج في كلامهم ; قال تأبط شرا :


                                                          فأبت إلى فهم وما كدت آئبا وكم مثلها فارقتها ، وهي تصفر

                                                          قال : هكذا صحة هذا البيت ، وكذلك هو في شعره ، فأما رواية من لا يضبطه وما كنت آئبا ولم أك آئبا فلبعده عن ضبطه ; قال : قال ذلك ابن جني قال : ويؤكد ما رويناه نحن مع وجوده في الديوان أن المعنى عليه ألا ترى أن معناه فأبت وما كدت أءوب ; فأما كنت فلا وجه لها في هذا الموضع ; ولا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما . قال ابن سيده : وحكى سيبويه أن ناسا من العرب يقولون كيد زيد يفعل كذا ; وقال أبو الخطاب : وما زيل يفعل كذا ; يريدون كاد وزال ; فنقلوا الكسر إلى الكاف في فعل كما نقلوا في فعلت ; وقد روي بيت أبي خراش :


                                                          وكيد ضباع القف يأكلن جثتي     وكيد خراش يوم ذلك ييتم

                                                          قال سيبويه : وقد قالوا كدت تكاد فاعتلت من فعل يفعل ; كما اعتلت مت تموت عن فعل يفعل ; ولم يجئ تموت على ما كثر في فعل . قال : وقوله عز وجل : أكاد أخفيها ; قال الأخفش : معناه أخفيها . الليث : الكيد من المكيدة ; وقد كاده مكيدة . والكيد : الخبث والمكر ; كاده يكيده كيدا ومكيدة ، وكذلك المكايدة . وكل شيء تعالجه فأنت تكيده . وفي حديث عمرو بن العاص : ما قولك في عقول كادها خالقها ؟ وفي رواية : تلك عقول كادها بارئها أي أرادها بسوء . يقال : كدت الرجل أكيده . والكيد : الاحتيال والاجتهاد ، وبه سميت الحرب كيدا . وهو يكيد بنفسه كيدا : يجود بها ويسوق سياقا . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على سعد بن معاذ وهو يكيد بنفسه ، فقال : جزاك الله من سيد قوم فقد صدقت الله ما وعدته وهو صادقك ما وعدك ; يكيد بنفسه : يريد النزع . والكيد : السوق . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : تخرج المرأة إلى أبيها يكيد بنفسه أي عند نزع روحه وموته . الفراء : العرب تقول : ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت ; قال : وهذا هو وجه العربية ; ومن العرب من يدخل كاد ويكاد في اليقين وهو بمنزلة الظن أصله الشك ثم يجعل يقينا . وقال الأخفش في قوله تعالى : لم يكد يراها ; حمل على المعنى وذلك أنه لا يراها ، وذلك أنك إذا قلت كاد يفعل إنما تعني قارب الفعل ، ولم يفعل على صحة الكلام ، وهكذا معنى هذه الآية إلا أن اللغة قد أجازت لم يكد يفعل وقد فعل بعد شدة ، وليس هذا صحة الكلام لأنه إذا قال كاد يفعل فإنما يعني قارب الفعل ، وإذا قال لم يكد يفعل يقول لم يقارب الفعل إلا أن اللغة جاءت على ما فسر ; قال : وليس هو على صحة الكلمة . وقال الفراء : كلما أخرج يده لم يكد يراها من شدة الظلمة لأن أقل من هذه الظلمة لا ترى اليد فيه ، وأما لم يكد يقوم فقد قام ، هذا أكثر اللغة . ابن الأنباري : قال اللغويون كدت أفعل معناه عند العرب قاربت الفعل ، ولم أفعل وما كدت أفعل معناه فعلت بعد إبطاء . قال : وشاهده قوله تعالى : فذبحوها وما كادوا يفعلون ; معناه فعلوا بعد إبطاء لتعذر وجدان البقرة عليهم . وقد يكون : ما كدت أفعل بمعنى ما فعلت ولا قاربت إذا أكد الكلام بأكاد . قال أبو بكر في قولهم : قد كاد فلان يهلك ; معناه قد قارب الهلاك ولم يهلك ، فإذا قلت ما كاد فلان يقوم فمعناه قام بعد إبطاء ; وكذلك كاد يقوم معناه قارب القيام ولم يقم ; قال : وهذا وجه الكلام ، ثم قال : وتكون كاد صلة للكلام ، أجاز ذلك الأخفش وقطرب وأبو حاتم ، واحتج قطرب بقول الشاعر :


                                                          سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما     إن يكاد قرنه يتنفس معناه ما يتنفس قرنه

                                                          ; وقال حسان :


                                                          وتكاد تكسل أن تجيء فراشها

                                                          معناه وتكسل . وقوله تعالى : لم يكد يراها ; معناه لم يرها ولم يقارب ذلك ، وقال بعضهم : رآها من بعد أن لم يكد يراها من شدة الظلمة ; وقول أبي ضبة الهذلي :


                                                          لقيت لبته السنان فكبه     مني تكايد طعنة وتأيد

                                                          قال السكري : تكايد تشدد . وكادت المرأة : حاضت ; ومنه حديث ابن عباس : أنه نظر إلى جوار قد كدن في الطريق فأمر أن يتنحين ; معناه حضن في الطريق . يقال : كادت تكيد كيدا إذا حاضت . وكاد الرجل : قاء . والكيد : القيء ; ومنه حديث قتادة : إذا بلغ الصائم الكيد أفطر ; قال ابن سيده : حكاه الهروي في الغريبين . ابن الأعرابي : الكيد صياح الغراب بجهد ، ويسمى إجهاد الغراب في صياحه كيدا ، وكذلك القيء . والكيد : إخراج الزند النار . والكيد : التدبير بباطل أو حق . والكيد : الحيض . والكيد : الحرب . ويقال : غزا فلان فلم يلق كيدا . وفي حديث ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة كذا فرجع ولم يلق كيدا أي حربا . وفي حديث صلح نجران : أن عليهم عارية السلاح إن كان ب اليمن كيد ذات غدر أي حرب ولذلك أنثها . ابن بزرج : يقال من كادهما يتكايدان . وأصحاب النحو يقولون يتكاودان ، وهو خطأ لأنهم يقولون إذا حمل أحدهم على ما يكره . لا والله ولا كيدا ولا هما ، يريد لا أكاد ولا أهم . وحكى ابن مجاهد عن أهل اللغة : كاد يكاد كان في الأصل كيد يكيد . وقوله عز وجل : إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا ; قال الزجاج : يعني به الكفار ، إنهم يخاتلون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويظهرون ما هم على خلافه ; وأكيد كيدا ; قال : كيد الله تعالى لهم استدراجهم من حيث لا يعلمون . ويقال : فلان يكيد أمرا ما أدري ما هو إذا كان يريغه ، ويحتال له ويسعى له ويختله . وقال : بلغوا الأمر الذي كادوا ، يريد : طلبوا أو أرادوا ; وأنشد أبو بكر في كاد بمعنى أراد للأفوه :


                                                          فإن تجمع أوتاد وأعمدة     وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا

                                                          أراد الذي أرادوا

                                                          وأنشد :


                                                          كادت وكدت ، وتلك خير إرادة     لو كان من لهو الصبابة ما مضى

                                                          [ ص: 142 ] قال : معناه أرادت وأردت . قال : ويحتمله قوله تعالى : لم يكد يراها ، لأن الذي عاين من الظلمات آيسه من التأمل ليده والإبصار إليها . قال : ويراها بمعنى أن يراها فلما أسقط أن رفع كقوله تعالى : تأمروني أعبد ; معناه أن أعبد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية