الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8434 ) مسألة ; قال : ( ويحلف الرجل فيما عليه على البت . ويحلف الوارث على دين الميت على العلم ) . معنى البت : القطع . أي يحلف بالله ماله علي شيء . وجملة الأمر أن الأيمان كلها على البت والقطع ، إلا على نفي فعل الغير ، فإنها على نفي العلم . وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي . وقال الشعبي ، والنخعي : كلها على العلم .

                                                                                                                                            وذكره ابن أبي موسى رواية عن أحمد . وذكر أحمد حديث الشيباني ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون } . ولأنه لا يكلف ما لا علم له به . وقال ابن أبي ليلى : كلها على البت ، كما يحلف على فعل نفسه [ ص: 214 ]

                                                                                                                                            ولنا ، حديث ابن عباس { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا فقال له : قل : والله الذي لا إله إلا هو ، ما له عليك حق } . وروى الأشعث بن قيس ، { أن رجلا من كندة ، ورجلا من حضرموت ، اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن ، فقال الحضرمي : يا رسول الله ، إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا ، وهي في يده . فقال : هل لك بينة ؟ . قال : لا ، ولكن ، أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه . فتهيأ الكندي لليمين } . رواه أبو داود . ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            وما ذكروه لا يصح ; لأنه يمكنه الإحاطة بفعل نفسه ، ولا يمكنه ذلك في فعل غيره ، فافترقا في اليمين ، كما افترقت الشهادة ، فإنها تكون بالقطع فيما يمكن القطع فيه من العقود ، وعلى الظن فيما لا يمكن فيه القطع من الأملاك والأنساب ، وعلى نفي العلم فيما لا تمكن الإحاطة بانتفائه ، كالشهادة على أنه لا وارث له غير فلان وفلان .

                                                                                                                                            وحديث القاسم بن عبد الرحمن ، محمول على اليمين على نفي فعل الغير . إذا ثبت هذا ، فإنه يحلف فيما عليه على البت ، نفيا كان أو إثباتا . وأما ما يتعلق بفعل غيره ، فإن كان إثباتا ، مثل أن يدعي أنه أقر أو باع ، ويقيم شاهدا بذلك ، فإنه يحلف مع شاهده على البت والقطع . وإن كان على نفي العلم ، مثل أن يدعي عليه دين أو غصب أو جناية ، فإنه يحلف على نفي العلم ، لا غير . وإن حلف عليه على البت كفاه ، وكان التقدير فيه العلم ، كما في الشاهد إذا شهد بعدد الورثة ، وقال : ليس له وارث غيرهم . سمع ذلك ، وكان التقدير فيه علمه .

                                                                                                                                            ولو ادعي عليه أن عبده جنى أو استدان ، فأنكر ذلك ، فيمينه على نفي العلم ; لأنها يمين على نفي فعل الغير ، فأشبهت يمين الوارث على نفي الموروث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية