الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8436 ) فصل : ومن توجهت عليه يمين هو فيها صادق ، أو توجهت له ، أبيح له الحلف ، ولا شيء عليه من إثم ولا غيره ; لأن الله تعالى شرع اليمين ، ولا يشرع محرما . وقد أمر الله تعالى نبيه عليه السلام ، أن يقسم على الحق ، في ثلاثة مواضع من كتابه . وحلف عمر لأبي على نخيل ، ثم وهبه له ، وقال : خفت إن لم أحلف أن يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم ، فتصير سنة .

                                                                                                                                            قال حنبل : بلي أبو عبد الله بنحو هذا ، جاء إليه ابن عمه ، فقال : لي قبلك حق من ميراث أبي ، وأطالبك بالقاضي ، وأحلفك . فقيل لأبي عبد الله : ما ترى ؟ قال : أحلف له ، إذا لم يكن له قبلي حق ، وأنا غير شاك في ذلك حلفت له ، وكيف لا أحلف ، وعمر قد حلف ، وأنا من أنا ؟ وعزم أبو عبد الله على اليمين ، فكفاه الله ذلك ، ورجع الغلام عن تلك المطالبة . واختلف في الأولى ، فقال قوم : الحلف أولى من افتداء يمينه ; لأن عمر حلف ; ولأن في الحلف فائدتين ; إحداهما ، حفظ ماله عن الضياع ، وقد نهى [ ص: 215 ] النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته .

                                                                                                                                            والثانية ، تخليص أخيه الظالم من ظلمه ، وأكل المال بغير حقه ، وهذا من نصيحته ونصرته بكفه عن ظلمه ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على رجل أن يحلف ويأخذ حقه . وقال أصحابنا : الأفضل افتداء يمينه ; فإن عثمان افتدى يمينه ، وقال : خفت أن تصادف قدرا ، فيقال حلف فعوقب ، أو هذا شؤم يمينه . وروى الخلال ، بإسناده ، أن حذيفة عرف جملا سرق له ، فخاصم فيه إلى قاضي المسلمين ، فصارت اليمين على حذيفة فقال : لك عشرة دراهم . فأبى ، فقال لك عشرون ، فأبى ، فقال : لك ثلاثون . ، فأبى ، فقال : لك أربعون . فأبى ، فقال حذيفة : أتراني أترك جملي ؟ فحلف بالله أنه له ما باع ولا وهب .

                                                                                                                                            ولأن في اليمين عند الحاكم تبذلا ، ولا يأمن أن يصادف قدرا ، فينسب إلى الكذب ، وأنه عوقب بحلفه كاذبا ، وفي ذهاب ماله له أجر ، وليس هذا تضييعا للمال ، فإن أخاه المسلم ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة . وأما عمر ، فإنه خاف الاستنان به ، وترك الناس الحلف على حقوقهم ، فيدل على أنه لولا ذلك ، لما حلف ، وهذا أولى ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية