الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          كيا

                                                          كيا : كي : حرف من حروف المعاني ينصب الأفعال بمنزلة أن ، ومعناه العلة لوقوع الشيء كقولك : جئت كي تكرمني ، وقال في التهذيب : تنصب الفعل الغابر . يقال : أدبه كي يرتدع . قال ابن سيده : وقد تدخل عليه اللام ، وفي التنزيل العزيز : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ; وقال لبيد :


                                                          لكي لا يكون السندري نديدتي

                                                          وربما حذفوا كي اكتفاء باللام وتوصلا بما ولا ، فيقال تحرز كي لا تقع ، وخرج كيما يصلي ، قال الله تعالى : كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ; وفي كيما لغة أخرى حذف الياء لفظه كما قال عدي :


                                                          اسمع حديثا كما يوما تحدثه     عن ظهر غيب ، إذا ما سائل سالا

                                                          أراد كيما يوما تحدثه . وكي وكي لا وكيما وكما تعمل في الألفاظ المستقبلة عمل أن ولن وحتى إذا وقعت في فعل لم يجب . الجوهري : وأما كي مخففة فجواب لقولك لم فعلت كذا ؟ فتقول كي يكون كذا ، وهي للعاقبة كاللام وتنصب الفعل المستقبل . وكان من الأمر كيت وكيت : يكنى بذلك عن قولهم كذا وكذا ، وكان الأصل فيه كية وكية ، فأبدلت الياء الأخيرة تاء وأجروها مجرى الأصل لأنه ملحق بفلس ، والملحق كالأصلي . قال ابن سيده : قال ابن جني أبدلوا التاء من الياء لاما ، وذلك في قولهم كيت وكيت ، وأصلها كية وكية ، ثم إنهم حذفوا الهاء وأبدلوا من الياء التي هي لام تاء كما فعلوا ذلك في قولهم ثنتان فقالوا كيت ، فكما أن الهاء في كية علم تأنيث كذلك الصيغة في كيت علم تأنيث . وفي كيت ثلاث لغات : منهم من يبنيها على الفتح فيقول كيت ، ومنهم من يبنيها على الضم [ ص: 146 ] فيقول كيت ، ومنهم من يبنيها على الكسر فيقول كيت ، قال : وأصل التاء فيها هاء وإنما صارت تاء في الوصل . وحكى أبو عبيد : كيه وكيه ، بالهاء ، قال : ويقال كيمه كما يقال لمه في الوقف . قال ابن بري : قال الجوهري حكى أبو عبيدة كان من الأمر كيه وكيه ، قال : الصواب كيت وكيه ، الأولى بالتاء والثانية بالهاء ، وأما كيه فليس فيها مع الهاء إلا البناء على الفتح ، فإن قلت : فما تنكر أن تكون التاء في كيت منقلبة عن واو بمنزلة تاء أخت وبنت ، ويكون على هذا أصل كية كيوة ، ثم اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ، كما قالوا سيد وميت وأصلهما سيود وميوت ؟ فالجواب أن كية لا يجوز أن يكون أصلها كيوة من قبل أنك لو قضيت بذلك لأجزت ما لم يأت مثله من كلام العرب ، لأنه ليس في كلامهم لفظة عين فعلها ياء ولام فعلها واو ، ألا ترى أن سيبويه قال ليس في كلام العرب مثل حيوت ؟ فأما ما أجازه أبو عثمان في الحيوان من أن تكون واوه غير منقلبة عن الياء وخالف فيه الخليل ، وأن تكون واوه أصلا غير منقلبة ، فمردود عليه عند جميع النحويين لادعائه ما لا دليل عليه ولا نظير له وما هو مخالف لمذهب الجمهور ، وكذلك قولهم في اسم رجاء بن حيوة إنما الواو فيه بدل من ياء ، وحسن البدل فيه وصحة الواو أيضا بعد ياء ساكنة كونه علما والأعلام قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ، وذلك من وجهين : أحدهما الصيغة ، والآخر الإعراب ، أما الصيغة فنحو قولهم موظب ومورق وتهلل ومحبب ومكوزة ومزيد وموألة فيمن أخذه من وأل ومعد يكرب ، وأما الإعراب فنحو قولك في الحكاية لمن قال مررت بزيد : من زيد ؟ ولمن قال ضربت أبا بكر : من أبا بكر ؟ لأن الكنى تجري مجرى الأعلام ، فلذلك صحت حيوة بعد قلب لامها واوا وأصلها حية ، كما أن أصل حيوان حييان ، وهذا أيضا إبدال الياء من الواو لامين ، قال : ولم أعلمها أبدلت منها عينين ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية