الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      باب ( الاستثناء في الطلاق ) الاستثناء استفعال من الثني ، وهو الرجوع يقال ثنى رأس البعير إذا عطفه إلى ورائه فكأن المستثنى رجع في قوله إلى ما قبله ( وهو ) أي الاستثناء اصطلاحا : ( إخراج بعض الجملة ) أي بعض ما يتناوله اللفظ ( ب ) لفظ ( إلا ، أو ما يقوم مقامها ، كغير وسوى ) بوزن رضا وهدي وسماء وبناء ( وليس ، ولا يكون وحاشا وخلا وعدا ) مقرونين بما أو مجردتين منها من متكلم واحد لما يأتي من أنه يشترط لصحة الاستثناء نية قبل تمام المستثنى منه ، وذلك لا يصح أن يكون من متكلمين والاستثناء واقع في الكتاب والسنة ولسان العرب ( يصح استثناء النصف فأقل ) لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول فصح ، كما لو أتى بما عدا المستثنى بدون الاستثناء .

                                                                                                                      ولولا ذلك لم يصح قول سيدنا إبراهيم { إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } يريد به البراءة من غير الله - عز وجل - ، وقال - تعالى - : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } وليس الاستثناء رافعا لواقع وإنما هو مانع لدخول المستثنى في المستثنى منه فيصح الاستثناء ( من طلقاته ) كأنت طالق ثلاثا إلا واحدة ( ومطلقاته ) كنسائه طوالق إلا فلانة ( وإقراره ) كله على عشرة إلا أربعة ونحوه و ( لا ) يصح [ ص: 270 ] استثناء ( ما زاد عليه ) أي النصف ( نصا ) ونصره في الشرح وقواه ابن حمدان ، وجاز الأكثر لأنه مسلم في قوله تعالى - : { إلا من اتبعك من الغاوين } لأنه لم يصرح بالعدد .

                                                                                                                      وذكر أبو يعلى الصغير أنه استثناء بالصفة وهو في الحقيقة تخصيص ، وإنه يجوز فيه الكل ، نحو : اقتل من في الدار إلا بني تميم وهم بنو تميم فيحرم قتلهم ( فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ) طلقت ثلاثا لأن استثناء الكل رفع لما أوقعه فلم يرتفع ( أو ) قال أنت طالق ( ثلاثا إلا اثنتين ) طلقت ثلاثا لأن استثناء الأكثر كالكل ، لأن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة ( أو ) قال أنت طالق ( خمسا إلا ثلاثا ) طلقت ثلاثا لما تقدم ( أو ) قال أنت طالق خمسا ( إلا واحدة أو ) أنت طالق ( أربعا إلا واحدة ) طلقت ثلاثا لبقائها بعد الاستثناء ، ( أو قال ) : أنت طالق ( ثلاثا إلا ربع طلقة ) أو نصفها أو سدسها ونحوه ( طلقت ثلاثا ) لأن الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا ضرورة أن الطلاق لا يتبعض .

                                                                                                                      ( و ) إن قال ( أنت طالق طلقتين إلا واحدة يقع واحدة ) لصحة استثناء النصف ( وأنت طالق ثلاثا إلا واحدة ) يقع ثنتان لأنه استثنى أقل من النصف فيصح ، ( أو ) أنت طالق ثلاثا ( إلا اثنتين إلا واحدة ) يقع اثنتان لأنه استثنى الواحدة مما قبلها فيبقى واحدة وهي مستثناة من الثلاث فيصير كقوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ( أو ) أنت طالق ( ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة ) يقع اثنتان لأن الاستثناء الأول صحيح دون الثاني ( أو ) قال أنت طالق ثلاثا ( إلا واحدة وإلا واحدة ) يقع اثنتان لما تقدم .

                                                                                                                      ( أو ) قال أنت طالق ( واحدة وثنتين إلا واحدة ) يقع اثنتان لأنها الباقية بعد المستثنى ، ( أو ) قال أنت طالق ( أربعا إلا اثنتين يقع اثنتان ) لأنه استثناء للنصف بحسب ما تكلم به ، ( و ) أنت طالق ( ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة ) يقع ثلاثا لأنه لما استثنى واحدة من الثلاث بقي بعدها اثنتان استثناهما من الثلاث وهما أكثر من نصفها فلم يصح الاستثناء ، ( أو ) قال أنت طالق ( خمسا ) إلا ثلاثا ( أو ) أنت طالق ( أربعا إلا ثلاثا ) وقعت الثلاث ولم يصح الاستثناء لأنه أكثر من النصف ( أو ) أنت ( طالق وطالق وطالق إلا واحدة أو إلا طلاقا ) يقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه فيكون استثناء لكله فلا يصح ، ( أو ) أنت طالق ( طلقتين وواحدة إلا واحدة ) يقع ثلاثا لما ذكرنا .

                                                                                                                      بخلاف ما سبق من قوله أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة فيقع ثنتان ، ( أو ) أنت طالق [ ص: 271 ] ( طلقتين ونصفا إلا طلقة ) يقع ثلاث بتكميل النصف ، وإلغاء الاستثناء لرجوعه إلى ما يليه فيكون استثنى أكثر من المستثنى منه فلا يصح ( أو ) قال أنت طالق ( ثنتين وثنتين إلا ثنتين ) يقع ثلاثا ويلغى الاستثناء لعوده إلى ما يليه ( أو ) أنت طالق ثنتين وثنتين ( إلا واحدة ) يقع ( ثلاثا ) لأنها الباقية بعد الاستثناء ( كعطفه بالفاء أو ) عطفه ( بثم ) كقوله أنت طالق ثنتين فثنتين إلا ثنتين أو إلا واحدة أو أنت طالق ثنتين ثم ثنتين إلا ثنتين أو إلا واحدة فيقع بذلك ثلاث لأن الكلام صار جملتين للترتيب الحاصل بالعطف بالفاء أو بثم فاستثناء الاثنتين من الاثنتين استثناء للكل .

                                                                                                                      واستثناء الواحدة إن عاد للرابعة فقد بقي بعدها ثلاث ، وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين كان استثناء للجميع وهو ممنوع ( ولو أراد الاستثناء من المجموع في قوله ) أنت ( طالق وطالق وطالق إلا واحدة دين ) أي قبل منه بالإضافة إلى ما بينه وبين الله لأن لفظه محتمل ( قبل ) منه حكما ( فيقع اثنتان ) لأنه استثناء لأقل من النصف ( والاستثناء يرجع إلى ما تلفظ به ) بدليل ما تقدم و ( لا ) يرجع ( إلى ما يملكه ) خلافا للقاضي وابن اللحام في قواعده .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية