nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين [ ص: 2497 ] الكلام في أحوال المشركين مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومجابهتهم له وسوق العبر لهم، وفي هذا النص الكريم بيان أحوال النبيين مع أقوامهم، وأحوال الأمم في الضراء والبأساء، ومقدار انتفاعهم بها والعبرة في ذلك; ولذلك قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون في هذا النص بيان لعلاج الله تعالى للأسقام النفسية للأمم التي تتعصى على الهداية، وعلى الاستقامة على الحق إذا دعوا إليه، فليس الناس جميعا طلاب حق يتبعونه إذا هدوا إليه، ولا يستمعون إلى الحجة إذا سيقت إليهم، بل يعاندون ويكابرون، فهؤلاء يحتاجون إلى علاج دنيوي، وذلك بالشدائد تنزل بهم؛ لأن الجحود والمبالغة في الإنكار سببهما الاغترار بالدنيا وما فيها من متع، ولا علاج لغرور الجدة إلا بالحرمان منها ليذوقوا طعم المر بعد أن ذاقوا رطب العيش، ولا علاج لغرور الصحة إلا بالمرض حينا، ولا علاج للقوة إلا بالضعف. وعسى أن يكون هذا بصوره المختلفة باختلاف الداء مؤديا إلى شفاء النفس، والاتجاه بها إلى الهداية، وقد عالج الله تعالى حالهم بأمرين: أخذهم بالبأساء، وهي البؤس الشديد، والبؤس هو الفقر وضيق العيش حتى يكون ضنكا، وذلك يكون للأمم بالأزمات تجتاحها، وبجفاف النبات، وبالجوائح المبيدة وغيرها مما يصاب به اقتصاد الأمم، والثاني الضراء بالمرض تصاب به الأجسام وبالأوباء المرضية تتفشى بين الجماعات.
ولقد فعل الله تعالى ذلك بفرعون وقومه عندما أصابه هو وهم الغرور وطغوا في البلاد. وقد قال تعالى في ذلك بعد أن سخروا بكل آية:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين [ ص: 2498 ] وإن الآلام علاج النفوس المغرورة بزخارف الدنيا، ومتاعها إن كانت صالحة للعلاج، وقد يستعصي الداء ويصعب العلاج، وإن الله تعالى عالج الأمم بالآلام عساهم يخضعون، ويبتعد الغرور عن نفوسهم; ولذا قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42لعلهم يتضرعون أي: لعلهم يخضعون ويتطامنون وتذهب كبرياؤهم إذ يحسون بضعفهم وإنه حيث كان الإحساس بالضعف قربت النفس من الإيمان فالإيمان إذعان وخضوع، ومن جنسهما التضرع والتطامن والبعد عن الغرور، وعن الاستكبار على الحق، والرجاء هنا يفيد المقاربة بين إصابة الكاذبين بالبأساء والضراء، والخضوع للحق. فالمراد من الرجاء لازمه، وهو القرب من الحق، والإذعان له.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ ص: 2497 ] الْكَلَامُ فِي أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُجَابَهَتِهِمْ لَهُ وَسَوْقِ الْعِبَرِ لَهُمْ، وَفِي هَذَا النَّصِّ الْكَرِيمِ بَيَانُ أَحْوَالِ النَّبِيِّينَ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، وَأَحْوَالِ الْأُمَمِ فِي الضَّرَّاءِ وَالْبَأْسَاءِ، وَمِقْدَارِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا وَالْعِبْرَةِ فِي ذَلِكَ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فِي هَذَا النَّصِّ بَيَانٌ لِعِلَاجِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَسْقَامِ النَّفْسِيَّةِ لِلْأُمَمِ الَّتِي تَتَعَصَّى عَلَى الْهِدَايَةِ، وَعَلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْحَقِّ إِذَا دُعُوا إِلَيْهِ، فَلَيْسَ النَّاسُ جَمِيعًا طُلَّابَ حَقٍّ يَتَّبِعُونَهُ إِذَا هُدُوا إِلَيْهِ، وَلَا يَسْتَمِعُونَ إِلَى الْحُجَّةِ إِذَا سِيقَتْ إِلَيْهِمْ، بَلْ يُعَانِدُونَ وَيُكَابِرُونَ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى عِلَاجٍ دُنْيَوِيٍّ، وَذَلِكَ بِالشَّدَائِدِ تَنْزِلُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الْإِنْكَارِ سَبَبُهُمَا الِاغْتِرَارُ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ مُتَعٍ، وَلَا عِلَاجَ لِغُرُورِ الْجِدَةِ إِلَّا بِالْحِرْمَانِ مِنْهَا لِيَذُوقُوا طَعْمَ الْمُرِّ بَعْدَ أَنْ ذَاقُوا رَطْبَ الْعَيْشِ، وَلَا عِلَاجَ لِغُرُورِ الصِّحَّةِ إِلَّا بِالْمَرَضِ حِينًا، وَلَا عِلَاجَ لِلْقُوَّةِ إِلَّا بِالضَّعْفِ. وَعَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا بِصُوَرِهِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ الدَّاءِ مُؤَدِّيًا إِلَى شِفَاءِ النَّفْسِ، وَالِاتِّجَاهِ بِهَا إِلَى الْهِدَايَةِ، وَقَدْ عَالَجَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَهُمْ بِأَمْرَيْنِ: أَخْذِهُمْ بِالْبَأْسَاءِ، وَهِيَ الْبُؤْسُ الشَّدِيدُ، وَالْبُؤْسُ هُوَ الْفَقْرُ وَضِيقُ الْعَيْشِ حَتَّى يَكُونَ ضَنْكًا، وَذَلِكَ يَكُونُ لِلْأُمَمِ بِالْأَزَمَاتِ تَجْتَاحُهَا، وَبِجَفَافِ النَّبَاتِ، وَبِالْجَوَائِحِ الْمُبِيدَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُصَابُ بِهِ اقْتِصَادُ الْأُمَمِ، وَالثَّانِي الضَّرَّاءُ بِالْمَرَضِ تُصَابُ بِهِ الْأَجْسَامُ وَبِالْأَوْبَاءِ الْمَرَضِيَّةِ تَتَفَشَّى بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ.
وَلَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ عِنْدَمَا أَصَابَهُ هُوَ وَهُمْ الْغُرُورُ وَطَغَوْا فِي الْبِلَادِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَخِرُوا بِكُلِّ آيَةٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [ ص: 2498 ] وَإِنَّ الْآلَامَ عِلَاجُ النُّفُوسِ الْمَغْرُورَةِ بِزَخَارِفِ الدُّنْيَا، وَمَتَاعِهَا إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْعِلَاجِ، وَقَدْ يَسْتَعْصِي الدَّاءُ وَيَصْعُبُ الْعِلَاجُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالَجَ الْأُمَمَ بِالْآلَامِ عَسَاهُمْ يَخْضَعُونَ، وَيَبْتَعِدُ الْغُرُورُ عَنْ نُفُوسِهِمْ; وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أَيْ: لَعَلَّهُمْ يَخْضَعُونَ وَيَتَطَامَنُونَ وَتَذْهَبُ كِبْرِيَاؤُهُمْ إِذْ يُحِسُّونَ بِضَعْفِهِمْ وَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْإِحْسَاسُ بِالضَّعْفِ قَرُبَتِ النَّفْسُ مِنَ الْإِيمَانِ فَالْإِيمَانُ إِذْعَانٌ وَخُضُوعٌ، وَمِنْ جِنْسِهِمَا التَّضَرُّعُ وَالتَّطَامُنُ وَالْبُعْدُ عَنِ الْغُرُورِ، وَعَنِ الِاسْتِكْبَارِ عَلَى الْحَقِّ، وَالرَّجَاءُ هُنَا يُفِيدُ الْمُقَارَبَةَ بَيْنَ إِصَابَةِ الْكَاذِبِينَ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْخُضُوعِ لِلْحَقِّ. فَالْمُرَادُ مِنَ الرَّجَاءِ لَازِمُهُ، وَهُوَ الْقُرْبُ مِنَ الْحَقِّ، وَالْإِذْعَانُ لَهُ.