الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود السهو

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) .

[ ص: 277 ] وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم ، ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو ، وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في " الموطأ " : ( إنما أنسى أو أنسى لأسن ) .

وكان صلى الله عليه وسلم ينسى ، فيترتب على سهوه أحكام شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة ، فقام صلى الله عليه وسلم من اثنتين في الرباعية ، ولم يجلس بينهما ، فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام ثم سلم ، فأخذ من هذا قاعدة : أن من ترك شيئا من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهوا ، سجد له قبل السلام ، وأخذ من بعض طرقه : أنه إذا ترك ذلك وشرع في ركن ، لم يرجع إلى المتروك ، لأنه لما قام سبحوا ، فأشار إليهم : أن قوموا .

واختلف عنه في محل هذا السجود ، ففي " الصحيحين " من حديث عبد الله ابن بحينة ، ( أنه صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر ولم يجلس بينهما ، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ، ثم سلم بعد ذلك ) .

وفي رواية متفق عليها : ( يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم ) .

[ ص: 278 ] وفي " المسند " من حديث يزيد بن هارون عن المسعودي ، عن زياد بن علاقة قال : ( صلى بنا المغيرة بن شعبة ، فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس ، فسبح به من خلفه ، فأشار إليهم أن قوموا ، فلما فرغ من صلاته سلم ، ثم سجد سجدتين وسلم ، ثم قال : هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وصححه الترمذي .

وذكر البيهقي من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري قال : ( صلى بنا عقبة بن عامر الجهني ، فقام وعليه جلوس ، فقال الناس : سبحان الله سبحان الله، فلم يجلس ومضى على قيامه ، فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتي السهو وهو جالس ، فلما سلم قال : إني سمعتكم آنفا تقولون : سبحان الله لكيما أجلس ، لكن السنة الذي صنعت ) .

وحديث عبد الله ابن بحينة أولى لثلاثة وجوه .

أحدها : أنه أصح من حديث المغيرة .

الثاني : أنه أصرح منه ، فإن قول المغيرة : ( وهكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة ، ويكون قد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا [ ص: 279 ] السهو مرة قبل السلام ، ومرة بعده ، فحكى ابن بحينة ما شاهده ، وحكى المغيرة ما شاهده ، فيكون كلا الأمرين جائزا ، ويجوز أن يريد المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم قام ولم يرجع ، ثم سجد للسهو .

الثالث : أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلام وسجده بعده ، وهذه صفة السهو ، وهذا لا يمكن أن يقال في السجود قبل السلام ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية