الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ حديث معاذ حين بعثه الرسول إلى اليمن ]

وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله ، فقال شعبة : حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ { عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال : كيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أجتهد رأيي لا آلو ، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم } . فهذا [ ص: 155 ] حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك ; لأنه يدل على شهرة الحديث وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم ، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي ، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح ، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم ، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك ، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث ؟ وقد قال بعض أئمة الحديث : إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به ، قال أبو بكر الخطيب : وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ، وهذا إسناد متصل ، ورجاله معروفون بالثقة ، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به ، فوقفنا بذلك على صحته عندهم ، كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا وصية لوارث } ، وقوله في البحر { ، هو الطهور ماؤه الحل ميتته } ، وقوله : { إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع } ، وقوله : { الدية على العاقلة } ، وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها ، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له ، انتهى كلامه .

وقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم للحاكم أن يجتهد رأيه وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرا واحدا إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية