الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ طريق معرفة الإدراج ] واعلم أن الطريق لمعرفة الإدراج إما باستحالة إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كقول أبي هريرة في حديث : للعبد المملوك أجران - ما نصه : والذي نفسي بيده ، لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي ، لأحببت أن أموت وأنا مملوك .

[ ص: 302 ] وقول ابن مسعود كما جزم به سليمان بن حرب في حديث : الطيرة شرك - ما نصه : " وما منا إلا " ، أو بتصريح صحابيه بأنه لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كحديث ابن مسعود : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من جعل لله ندا ، دخل النار قال : وأخرى أقولها ولم أسمعها منه : ( من مات لا يجعل لله ندا ، أدخله الجنة ) ، أو بتصريح بعض الرواة بالفصل بإضافته لقائله ، ويتقوى الفصل باقتصار بعض الرواة على الأصل ; كحديث التشهد ، وثالثها أكثرها .

وما أحسن صنيع مسلم ; حيث أخرج حديث عبد الأعلى عن داود عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود في مجيء داعي الجن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهابه معهم ، وقراءته عليهم القرآن .

قال ابن مسعود : فانطلق بنا ، فأرانا آثارهم ، وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد ، فقال : " لكم كل عظم . . . إلى آخره .

ثم رواه من جهة إسماعيل بن إبراهيم عن داود ، وقال بسنده إلى قوله : ( وآثار نيرانهم ) - : قال الشعبي : ( وسألوه الزاد . . . . ) إلى آخره ، فبين أنه من قول الشعبي منفصلا من حديث عبد الله .

ثم رواه من حديث عبد الله بن إدريس عن داود به بدون ذكر " وسألوه . . . . " إلى آخره ، لا متصلا ولا منفصلا .

[ ص: 303 ] ولكن الحكم للإدراج بها مختلف ، فبالأول قطعا ، وبباقيها بحسب غلبة الظن للناقد ، بل أشار ابن دقيق العيد في الاقتراح إلى ضعفه ; حيث كان أول الخبر ; كقوله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسبغوا الوضوء ، أو من مس أنثييه لا سيما إن جاء ما بعده بواو العطف ، وكذا حيث كان في أثناء اللفظ المتفق على رفعه ، وكذا قال في الإمام له - : إنما يكون الإدراج بلفظ تابع يمكن استقلاله عن اللفظ السابق . انتهى .

وكأن الحامل لهم على عدم تخصيص ذلك بآخر الخبر تجويز كون التقديم والتأخير من الراوي ; لظنه الرفع في الجميع ، واعتماده الرواية بالمعنى ، فبقي المدرج حينئذ في أول الخبر وأثنائه بخلافه قبل ذلك .

وإلى نحوه أشار الناظم في شرح الترمذي وقال : وإن الراوي رأى أشياء متعاطفة ، فقدم وأخر ; لجواز ذلك عنده ، وصار الموقوف لذلك أول الخبر أو وسطه ، ولا شك أن الفاصل معه زيادة علم فهو أولى ، وبالجملة فقد قال شيخنا : إنه لا مانع من الحكم على ما في الأول أو الآخر أو الوسط بالإدراج ، إذا قام الدليل المؤثر [ على ] غلبة الظن .

وقد قال أحمد : كان وكيع يقول في الحديث : يعني كذا وكذا ، وربما طرح " يعني " ، وذكر التفسير في الحديث ، وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا ، وربما أسقط أداة التفسير ، فكان بعض أقرانه دائما يقول له : افصل كلامك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الحكايات .

ومن مدرج المتن أن يشترك جماعة عن شيخ في رواية ، ويكون لأحدهم زيادة يختص بها ، فيرويه عنهم راو بالزيادة من غير تمييز ، كرواية الأوزاعي عن الزهري ، [ ص: 304 ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وسعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، ثلاثتهم عن أبي هريرة - حديث : لا يزني الزاني ، وفيه : ولا ينتهب نهبة .

فجملة " النهبة " إنما رواها الزهري عن أبي بكر خاصة ، بل روى الزهري أيضا عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبيه أبي بكر المذكور ، أن أبا هريرة كان يلحقها في الخبر ، أي من قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية