nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28977_32405_28760هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون .
استئناف لغرض آخر للتعجيب من حال المشركين إذ أنكروا البعث ، فإنه ذكرهم ابتداء بخلق السماوات والأرض ، وعجب من حالهم في تسويتهم ما لم يخلق السماوات ولا الأرض بالله تعالى في الإلهية . ثم ذكرهم بخلقهم الأول ، وعجب من حالهم كيف جمعوا بين الاعتراف بأن الله هو خالقهم الخلق الأول فكيف يمترون في الخلق الثاني ؟
وأتي بضمير ( هو ) في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم ليحصل تعريف المسند والمسند إليه معا ، فتفيد الجملة القصر في ركني الإسناد وفي متعلقها ، أي هو خالقكم لا غيره ، من طين لا من غيره ، وهو الذي قضى أجلا وعنده أجل مسمى فينسحب حكم القصر على المعطوف على المقصور . والحال الذي اقتضى القصر هو حال إنكارهم البعث لأنهم لما أنكروه وهو الخلق الثاني نزلوا منزلة من أنكر الخلق الأول إذ لا فرق بين الخلقين بل الإعادة في متعارف الصانعين أيسر كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد . والقصر أفاد نفي جميع هذه التكوينات عن غير الله من أصنامهم ، فهو كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء .
والخطاب في قوله خلقكم موجه إلى الذين كفروا ، ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب لقصد التوبيخ .
[ ص: 130 ] وذكر مادة ما منه الخلق بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12من طين لإظهار فساد استدلالهم على إنكار الخلق الثاني ، لأنهم استبعدوا أن يعاد خلق الإنسان بعد أن صار ترابا . وتكررت حكاية ذلك عنهم في القرآن ، فقد اعترفوا بأنهم يصيرون ترابا بعد الموت ، وهم يعترفون بأنهم خلقوا من تراب ، لأن ذلك مقرر بين الناس في سائر العصور ، فاستدلوا على إنكار البعث بما هو جدير بأن يكون استدلالا على إمكان البعث ، لأن مصيرهم إلى تراب يقرب إعادة خلقهم ، إذ صاروا إلى مادة الخلق الأول ، فلذلك قال الله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم من طين وقال في آيات الاعتبار بعجيب تكوينه :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ، وأمثال ذلك .
وهذا القدح في استدلالهم يسمى في اصطلاح علم الجدل القول بالموجب ، والمنبه عليه من خطأ استدلالهم يسمى فساد الوضع .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2خلقكم من طين أنه خلق أصل الناس وهو البشر الأول من طين ، فكان كل البشر راجعا إلى الخلق من الطين ، فلذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2خلقكم من طين . وقال في موضع آخر :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج أي الإنسان المتناسل من أصل البشر .
و ثم للترتيب والمهلة ، عاطفة فعل قضى على فعل خلق فهو عطف فعل على فعل وليس عطف جملة على جملة . والمهلة هنا باعتبار التوزيع ، أي خلق كل فرد من البشر ثم قضى له أجله ، أي استوفاه له ، فـ قضى هنا ليس بمعنى ( قدر ) لأن تقدير الأجل مقارن للخلق أو سابق له وليس متأخرا عنه ولكن قضى هنا بمعنى ( أوفى ) أجل كل مخلوق كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=14فلما قضينا عليه الموت ، أي أمتناه . ولك أن تجعل ( ثم ) للتراخي الرتبي .
وإنما اختير هنا ما يدل على تنهية أجل كل مخلوق من طين دون أن يقال إلى أجل ، لأن دلالة تنهية الأجل على إمكان الخلق الثاني ، وهو البعث - أوضح من دلالة تقدير الأجل ، لأن التقدير خفي والذي يعرفه الناس هو انتهاء أجل الحياة ، ولأن انتهاء أجل الحياة مقدمة للحياة الثانية .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وأجل مسمى عنده معترضة بين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم قضى أجلا . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم أنتم تمترون . وفائدة هذا الاعتراض إعلام الخلق بأن الله عالم آجال الناس ردا على
[ ص: 131 ] قول المشركين :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وما يهلكنا إلا الدهر .
وقد خولفت كثرة الاستعمال في تقديم الخبر الظرف على كل مبتدأ نكرة موصوفة ، نحو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23ولي نعجة واحدة حتى قال صاحب الكشاف : إنه الكلام السائر ، فلم يقدم الظرف في هذه الآية لإظهار الاهتمام بالمسند إليه حيث خولف الاستعمال الغالب من تأخيره فصار بهذا التقديم تنكيره مفيدا لمعنى التعظيم ، أي وأجل عظيم مسمى عنده .
ومعنى مسمى معين ، لأن أصل السمة العلامة التي يتعين بها المعلم . والتعيين هنا تعيين الحد والوقت .
والعندية في قوله : عنده عندية العلم ، أي معلوم له دون غيره . فالمراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وأجل مسمى أجل بعث الناس إلى الحشر ، فإن إعادة النكرة بعد نكرة يفيد أن الثانية غير الأولى ، فصار المعنى : ثم قضى لكم أجلين : أجلا تعرفون مدته بموت صاحبه ، وأجلا معين المدة في علم الله . فالمراد بالأجل الأول عمر كل إنسان ، فإنه يعلمه الناس عند موت صاحبه ، فيقولون : عاش كذا وكذا سنة ، وهو وإن كان علمه لا يتحقق إلا عند انتهائه فما هو إلا علم حاصل لكثير من الناس بالمقايسة . والأجل المعلوم وإن كان قد انتهى فإنه في الأصل أجل ممتد .
والمراد بالأجل الثاني ما بين موت كل أحد وبين يوم البعث الذي يبعث فيه جميع الناس ، فإنه لا يعلمه في الدنيا أحد ولا يعلمونه يوم القيامة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=45ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم أنتم تمترون عطفت على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم من طين ، فحرف ( ثم ) للتراخي الرتبي كغالب وقوعها في عطف الجمل لانتقال من خبر إلى أعجب منه ، كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، أي فالتعجيب حقيق ممن يمترون في أمر البعث مع علمهم بالخلق الأول وبالموت .
والمخاطب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2أنتم تمترون هم المشركون . وجيء بالمسند إليه ضميرا بارزا للتوبيخ .
[ ص: 132 ] والامتراء الشك والتردد في الأمر ، وهو بوزن الافتعال ، مشتق من المرية بكسر الميم اسم للشك ، ولم يرد فعله إلا بزيادة التاء ، ولم يسمع له فعل مجرد .
وحذف متعلق تمترون لظهوره من المقام ، أي تمترون في إمكان البعث وإعادة الخلق . والذي دل على أن هذا هو المماري فيه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده إذ لولا قصد التذكير بدليل إمكان البعث لما كان لذكر الخلق من الطين وذكر الأجل الأول والأجل الثاني - مرجح للتخصيص بالذكر .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28977_32405_28760هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ .
اسْتِئْنَافٌ لِغَرَضٍ آخَرَ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ ، فَإِنَّهُ ذَكَّرَهُمُ ابْتِدَاءً بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَعَجِبَ مِنْ حَالِهِمْ فِي تَسْوِيَتِهِمْ مَا لَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَلَا الْأَرْضَ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِلَهِيَّةِ . ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِخَلْقِهِمُ الْأَوَّلِ ، وَعَجِبَ مِنْ حَالِهِمْ كَيْفَ جَمَعُوا بَيْنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُهُمُ الْخَلْقَ الْأَوَّلَ فَكَيْفَ يَمْتَرُونَ فِي الْخَلْقِ الثَّانِي ؟
وَأُتِيَ بِضَمِيرِ ( هُوَ ) فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ لِيَحْصُلَ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مَعًا ، فَتُفِيدُ الْجُمْلَةُ الْقَصْرَ فِي رُكْنَيِ الْإِسْنَادِ وَفِي مُتَعَلِّقِهَا ، أَيْ هُوَ خَالِقُكُمْ لَا غَيْرُهُ ، مَنْ طِينٍ لَا مَنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الَّذِي قَضَى أَجَلًا وَعِنْدَهُ أَجَلٌ مُسَمًّى فَيَنْسَحِبُ حُكْمُ الْقَصْرِ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَقْصُورِ . وَالْحَالُ الَّذِي اقْتَضَى الْقَصْرَ هُوَ حَالُ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوهُ وَهُوَ الْخَلْقُ الثَّانِي نَزَلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ أَنْكَرَ الْخَلْقَ الْأَوَّلَ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَلْقَيْنِ بَلِ الْإِعَادَةُ فِي مُتَعَارَفِ الصَّانِعِينَ أَيْسَرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ . وَالْقَصْرُ أَفَادَ نَفْيَ جَمِيعِ هَذِهِ التَّكْوِينَاتِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ أَصْنَامِهِمْ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=40اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ خَلَقَكُمْ مُوَجَّهٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغِيبَةِ إِلَى الْخِطَابِ لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ .
[ ص: 130 ] وَذَكَرَ مَادَّةَ مَا مِنْهُ الْخَلْقُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مِنْ طِينٍ لِإِظْهَارِ فَسَادِ اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى إِنْكَارِ الْخَلْقِ الثَّانِي ، لِأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا أَنْ يُعَادَ خَلْقُ الْإِنْسَانِ بَعْدَ أَنْ صَارَ تُرَابًا . وَتَكَرَّرَتْ حِكَايَةُ ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ ، فَقَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ تُرَابًا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ تُرَابٍ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْعُصُورِ ، فَاسْتَدَلُّوا عَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ بِمَا هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ اسْتِدْلَالًا عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ ، لِأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى تُرَابٍ يُقَرِّبُ إِعَادَةَ خَلْقِهِمْ ، إِذْ صَارُوا إِلَى مَادَّةِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ وَقَالَ فِي آيَاتِ الِاعْتِبَارِ بِعَجِيبِ تَكْوِينِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ .
وَهَذَا الْقَدْحُ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ يُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ عِلْمِ الْجَدَلِ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ ، وَالْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَطَأِ اسْتِدْلَالِهِمْ يُسَمَّى فَسَادَ الْوَضْعِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أَنَّهُ خَلَقَ أَصْلَ النَّاسِ وَهُوَ الْبَشَرُ الْأَوَّلُ مِنْ طِينٍ ، فَكَانَ كُلُّ الْبَشَرِ رَاجِعًا إِلَى الْخَلْقِ مِنَ الطِّينِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ أَيِ الْإِنْسَانَ الْمُتَنَاسِلَ مِنْ أَصْلِ الْبَشَرِ .
وَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ ، عَاطِفَةٌ فِعْلَ قَضَى عَلَى فِعْلِ خَلَقَ فَهُوَ عَطْفُ فِعْلٍ عَلَى فِعْلٍ وَلَيْسَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ . وَالْمُهْلَةُ هُنَا بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ ، أَيْ خَلَقَ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الْبَشَرِ ثُمَّ قَضَى لَهُ أَجَلَهُ ، أَيِ اسْتَوْفَاهُ لَهُ ، فَـ قَضَى هُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى ( قَدَّرَ ) لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَجَلِ مُقَارِنٌ لِلْخَلْقِ أَوْ سَابِقٌ لَهُ وَلَيْسَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ وَلَكِنْ قَضَى هُنَا بِمَعْنَى ( أَوْفَى ) أَجَلَ كُلِّ مَخْلُوقٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=14فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ، أَيْ أَمَتْنَاهُ . وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ ( ثُمَّ ) لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ .
وَإِنَّمَا اخْتِيرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَنْهِيَةِ أَجَلِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ طِينٍ دُونَ أَنْ يُقَالَ إِلَى أَجَلٍ ، لِأَنَّ دَلَالَةَ تَنْهِيَةِ الْأَجَلِ عَلَى إِمْكَانِ الْخَلْقِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْبَعْثُ - أَوْضَحُ مِنْ دَلَالَةِ تَقْدِيرِ الْأَجَلِ ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ خَفِيٌّ وَالَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ هُوَ انْتِهَاءُ أَجَلِ الْحَيَاةِ ، وَلِأَنَّ انْتِهَاءَ أَجَلِ الْحَيَاةِ مُقَدِّمَةٌ لِلْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ قَضَى أَجَلًا . وَجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ . وَفَائِدَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إِعْلَامُ الْخَلْقِ بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ آجَالَ النَّاسِ رَدًّا عَلَى
[ ص: 131 ] قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ .
وَقَدْ خُولِفَتْ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ الظَّرْفِ عَلَى كُلِّ مُبْتَدَأٍ نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : إِنَّهُ الْكَلَامُ السَّائِرُ ، فَلَمْ يُقَدِّمِ الظَّرْفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِإِظْهَارِ الِاهْتِمَامِ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ حَيْثُ خُولِفَ الِاسْتِعْمَالُ الْغَالِبُ مِنْ تَأْخِيرِهِ فَصَارَ بِهَذَا التَّقْدِيمِ تَنْكِيرُهُ مُفِيدًا لِمَعْنَى التَّعْظِيمِ ، أَيْ وَأَجَلٌ عَظِيمٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ .
وَمَعْنَى مُسَمًّى مُعَيَّنٌ ، لِأَنَّ أَصْلَ السِّمَةِ الْعَلَامَةُ الَّتِي يَتَعَيَّنُ بِهَا الْمُعَلَّمُ . وَالتَّعْيِينُ هُنَا تَعْيِينُ الْحَدِّ وَالْوَقْتِ .
وَالْعِنْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ : عِنْدَهُ عِنْدِيَّةُ الْعِلْمِ ، أَيْ مَعْلُومٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ . فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وَأَجَلٌ مُسَمًّى أَجَلُ بَعْثِ النَّاسِ إِلَى الْحَشْرِ ، فَإِنَّ إِعَادَةَ النَّكِرَةِ بَعْدَ نَكِرَةٍ يُفِيدُ أَنَّ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى ، فَصَارَ الْمَعْنَى : ثُمَّ قَضَى لَكُمْ أَجَلَيْنِ : أَجَلًا تَعْرِفُونَ مُدَّتَهُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ ، وَأَجَلًا مُعَيَّنَ الْمُدَّةِ فِي عِلْمِ اللَّهِ . فَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الْأَوَّلِ عُمُرُ كُلِّ إِنْسَانٍ ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُهُ النَّاسُ عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ ، فَيَقُولُونَ : عَاشَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عِلْمُهُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا عِنْدَ انْتِهَائِهِ فَمَا هُوَ إِلَّا عِلْمٌ حَاصِلٌ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالْمُقَايَسَةِ . وَالْأَجَلُ الْمَعْلُومُ وَإِنْ كَانَ قَدِ انْتَهَى فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ أَجَلٌ مُمْتَدٌّ .
وَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الثَّانِي مَا بَيْنَ مَوْتِ كُلِّ أَحَدٍ وَبَيْنَ يَوْمِ الْبَعْثِ الَّذِي يُبْعَثُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ وَلَا يَعْلَمُونَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=45وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ، فَحَرْفُ ( ثُمَّ ) لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ كَغَالِبِ وُقُوعِهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لِانْتِقَالٍ مِنْ خَبَرٍ إِلَى أَعْجَبَ مِنْهُ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، أَيْ فَالتَّعْجِيبُ حَقِيقٌ مِمَّنْ يَمْتَرُونَ فِي أَمْرِ الْبَعْثِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَبِالْمَوْتِ .
وَالْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ . وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ضَمِيرًا بَارِزًا لِلتَّوْبِيخِ .
[ ص: 132 ] وَالِامْتِرَاءُ الشَّكُّ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ ، وَهُوَ بِوَزْنِ الِافْتِعَالِ ، مُشْتَقٌّ مِنِ الْمِرْيَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمٌ لِلشَّكِّ ، وَلَمْ يَرِدْ فِعْلُهُ إِلَّا بِزِيَادَةِ التَّاءِ ، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ .
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ تَمْتَرُونَ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ ، أَيْ تَمْتَرُونَ فِي إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَإِعَادَةِ الْخَلْقِ . وَالَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُمَارِي فِيهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ إِذْ لَوْلَا قَصْدُ التَّذْكِيرِ بِدَلِيلِ إِمْكَانِ الْبَعْثِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْخَلْقِ مِنَ الطِّينِ وَذِكْرِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَالْأَجْلِ الثَّانِي - مُرَجِّحٌ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ .