الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          733 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ويبطل الصوم : تعمد الأكل ، أو تعمد الشرب ، أو تعمد الوطء في الفرج ; أو تعمد القيء ; وهو في كل ذلك ذاكر لصومه ، وسواء قل ما أكل أو كثر ، أخرجه من بين أسنانه أو أخذه من خارج فمه فأكله .

                                                                                                                                                                                          وهذا كله مجمع عليه إجماعا متيقنا ، إلا فيما نذكره ، مع قول الله تعالى : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } .

                                                                                                                                                                                          وما حدثناه حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب بن خلف البخاري ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا معلى ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من ذرعه [ ص: 303 ] القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض } .

                                                                                                                                                                                          وروينا هذا أيضا عن ابن عمر ، وعلي وعلقمة .

                                                                                                                                                                                          قال علي : عيسى بن يونس : ثقة . وقال الحنفيون من تعمد أن يتقيأ أقل من ملء فيه لم يبطل بذلك صومه ، فإن كان ملء فيه فأكثر ، بطل صومه ، وهذا خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع سخافة التحديد ؟ وقال الحنفيون ، والمالكيون : من خرج - وهو صائم - من بين أسنانه شيء من بقية سحوره كالجذيذة وشيء من اللحم ونحو ذلك فبلعه عامدا لبلعه ذاكرا لصومه فصومه تام ، وما نعلم هذا القول لأحد قبلهما ؟ واحتج بعضهم لهذا القول بأنه شيء قد أكل بعد ، وإنما حرم ما لم يؤكل ؟ فكان الاحتجاج أسقط وأوحش من القول المحتج له وما علمنا شيئا أكل فيمكن وجوده بعد الأكل ، إلا أن يكون قيئا أو عذرة ونعوذ بالله من البلاء ؟ وحد بعض الحنفيين المقدار الذي لا يضر تعمد أكله في الصوم من ذلك بأن يكون دون مقدار الحمصة . فكان هذا التحديد طريفا جدا ثم بعد ذلك ، فأي الحمص هو ؟ الإمليسي الفاخر ، أم الصغير ؟ فإن قالوا قسناه على الريق ؟ قلنا لهم : فمن أين فرقتم بين قليل ذلك وكثيره بخلاف الريق ؟ ونسألهم عمن له مطحنة كبيرة مثقوبة فدخلت فيها من سحوره زبيبة ، أو باقلاء [ ص: 304 ] فأخرجها يوما آخر بلسانه وهو صائم : أله تعمد بلعها أم لا ؟ فإن منعوا من ذلك تناقضوا ، وإن أباحوا سألناهم عن جميع طواحينه وهي ثنتا عشرة مطحنة - مثقوبة كلها فامتلأت سمسما أو زبيبا أو قنبا أو حمصا أو باقلا أو خبزا أو زريعة كتان ؟ فإن أباحوا تعمد أكل ذلك كله حصلوا أعجوبة وإن منعوا منه تناقضوا وتحكموا في الدين بالباطل .

                                                                                                                                                                                          وإنما الحق الواضح فإن كل ما سمي أكلا - أي شيء كان - فتعمده يبطل الصوم ، وأما الريق - فقل أو كثر - فلا خلاف في أن تعمد ابتلاعه لا ينقض الصوم - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          والعجب كله ممن قلد أبا حنيفة ، ومالكا في هذا ، ولم يقلد من ساعة من ساعاته خير من دهرهما كله وهو أبو طلحة ، الذي روينا بأصح طريق عن شعبة ، وعمران القطان كلاهما عن قتادة عن أنس : أن أبا طلحة كان يأكل البرد وهو صائم قال عمران في حديثه : ويقول : ليس طعاما ولا شرابا

                                                                                                                                                                                          وقد سمعه شعبة من قتادة ، وسمعه قتادة من أنس ; ولكنهم قوم لا يحصلون ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية