الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8470 ) مسألة ; قال : ( وإذا قطع الحاكم يد السارق ، بشهادة اثنين ، ثم بان أنهما كافران ، أو فاسقان ، كانت دية اليد في بيت المال ) وجملته أن الحاكم إذا حكم بشهادة اثنين ، في قطع أو قتل ، وأنفذ ذلك ، ثم بان أنهما كافران ، أو فاسقان ، أو عبدان ، أو أحدهما ، فلا ضمان على الشاهدين ; لأنهما مقيمان على أنهما صادقان فيما شهدا به ، وإنما الشرع منع قبول شهادتهما ، بخلاف الراجعين عن الشهادة ، فإنهما اعترفا بكذبهما ، ويجب الضمان على الحاكم ، أو الإمام الذي تولى ذلك ; لأنه حكم بشهادة من لا يجوز له الحكم بشهادته ، ولا قصاص عليه ; لأنه مخطئ ، وتجب الدية ، وفي محلها روايتان ; إحداهما ، في بيت المال ; لأنه نائب للمسلمين ووكيلهم ، وخطأ الوكيل في حق موكله عليه ; ولأن خطأ الحاكم يكثر ، لكثرة تصرفاته وحكوماته ، فإيجاب ضمان ما يخطئ فيه على عاقلته إجحاف به ، فاقتضى ذلك التخفيف عنه ، بجعله في بيت المال ، ولهذا المعنى حملت العاقلة دية الخطأ عن القاتل .

                                                                                                                                            والرواية الثانية ، هي على عاقلته مخففة مؤجلة ; لما روي أن امرأة ذكرت عند عمر بسوء ، فأرسل إليها ، فأجهضت ذا بطنها ، فبلغ ذلك عمر ، فشاور الصحابة ، فقال بعضهم : لا شيء عليك ، إنما أنت مؤدب . وقال علي : عليك الدية . فقال عمر : عزمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك . يعني قريشا ; لأنهم عاقلة عمر ، ولو كانت في بيت المال ، لم يقسمها على قومه ، ولأنه من خطئه ، فتحمله عاقلته . كخطئه في غير الحكومة . وللشافعي قولان ، كالروايتين .

                                                                                                                                            فإذا قلنا : إن الدية على عاقلته . لم تحمل إلا الثلث فصاعدا ، ولا تحمل الكفارة ; لأن العاقلة لا تحمل الكفارة في محل الوفاق ، كذا هاهنا ، وتكون الكفارة في ماله . وإذا قلنا : إنه في بيت المال [ ص: 231 ] فينبغي أن يكون فيه القليل والكثير ; لأن جعله في بيت المال لعلة أنه نائب عنهم ، وخطأ النائب على مستنيبه ، وهذا يدخل فيما يكثر خطؤه ، فجعل الضمان في ماله يجحف به وإن قل ، لكثرة تكرره ، وسواء تولى الحاكم الاستيفاء بنفسه ، أو أمر من تولاه . قال أصحابنا : وإن كان الولي استوفاه ، فهو كما لو استوفاه الحاكم ; لأن الحاكم سلطه على ذلك ، ومكنه منه ، والولي يدعي أنه حقه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فإذا كان الولي استوفى حقه ، فينبغي أن يكون الضمان عليه ، كما لو حكم له بمال فقبضه ، ثم بان فسق شهوده ، كان الضمان على المستوفي دون الحاكم ، كذا هاهنا . قلنا : ثم حصل في يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حق ، فوجب عليه رده أو ضمانه إن أتلف ، وها هنا لم يحصل في يده شيء ، وإنما أتلف شيئا بخطإ الإمام وتسليطه عليه ، فافترقا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية