الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 170 ] الإمام مالك يذم التقليد وينهى عنه

والمقصد الثاني: فيما قاله مالك بن أنس -رضي الله عنه- إمام دار الهجرة، وما ذكره أتباعه، ولنقتصر هنا على ذكر قوله.

قال محمد بن محمد بن سنة بسنده إليه: أنه قال: إنما أنا بشر، أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة، فخذوه، وكل ما لم يوافق فاتركوه. وروى مثله عنه أحمد بن مروان المالكي.

قال الفلاني: القرن الثالث كان فيه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل.

فإن مالكا توفي سنة تسع وسبعين ومئة، وتوفي أبو حنيفة سنة ست وخمسين ومئة، وفي هذه السنة ولد الشافعي، وولد ابن حنبل في سنة أربع وستين ومئة.

وكانوا على منهاج من مضى، لم يكن في عصرهم مذهب رجل معين يتدارسونه، وعلى قريب منهم كان أتباعهم.

ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، والحديث في "البخاري".

فالعجب من أهل التقليد كيف يقولون: هذا هو الأمر القديم، وعليه أدركنا الشيوخ، وهو إنما حدث بعد مئتي سنة من الهجرة، وبعد فناء القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال مالك: ليس كلما قال رجل قولا وإن كان له فضل، يتبع عليه; لقوله تعالى: فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

وقال الباجي: لا أعلم قوة أشد خلافا على مالك من أهل الأندلس; لأن [ ص: 171 ] مالكا لا يجيز تقليد الرواة عنه، عند مخالفتهم الأصول، وهم لا يعتمدون غير ذلك. انتهى.

قال عثمان بن عمر: جاء رجل إلى مالك بن أنس، فسأله عن مسألة، فقال له: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا. فقال الرجل: أرأيت؟ فقال مالك: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .

وقال مالك: لا ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا لذلك، ويرى هو نفسه أهلا له، يريد: أهليته بالكتاب والسنة.

قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: الزم ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "أمران تركتهما فيكم، لن تضلوا ما تمسكتم بهما

1- كتاب الله. 2- وسنة نبيه".
قاله ابن القيم

وللعلماء المالكية أقوال كثيرة في رد التقليد والرأي، وإثبات العمل بالخبر، ذكرها الفلاني، ولا نطول بذكرها.

وكتاب "الموطأ" له شاهد عدل على اتباع السنة، ونفي التقليد، وهو كتاب مبارك قديم، وصى بعضهم بالعمل به، وترك ما سواه من الفروع، والقصر عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية