الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث الخامس : فيما يقتضي في الدين من عين ومقاصة .

                                                                                                                [ ص: 298 ] وقد تقدم من الضوابط والفروع في بيوع الآجال ما يناسب ذلك ، ونذكر هاهنا بقية الفروع المتيسرة .

                                                                                                                قاعدة : معنى قول الأصحاب : ضع وتعجل : أن التعجيل لما لم يجب عليه بسلف له فهو حينئذ قد أسلف ليسقط عنه بعض الدين ويأخذ من نفسه لنفسه دينه ، فهو سلف للنفع دون المعروف فيمتنع .

                                                                                                                قاعدة : إذا شرف الشيء وعظم في نظر الشرع كثر شروطه وشدد في حصوله تعظيما له ; لأن شأن كل عظيم القدر أن لا يحصل بالطرق السهلة : ( حفت الجنة بالمكاره ) ، ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) أي : الصابرين على آلام المجاهدات . فمن هذه القاعدة : النكاح لما شرف قدره بكونه سبب الإعفاف ، ومن أعظم مغايظ الشيطان ، ووسيلة لتكثير العباد ، وحاسما لمواد الفساد ، شدد الشرع فيه باشتراط الصداق والولي والبينة بخلاف البيع والنقدان لما عظم خطرهما بكونهما مناط الأعراض ورءوس الأموال وقيم المتلفات ونظام العالم . شدد الشرع فيهما بحيث لا يباع واحد بأكثر منه ولا بنسيئة بخلاف العروض ، وكذلك الطعام لما كان حافظا لجنس الحيوان ، وبه قوام بنية الإنسان ، والمعونة على العبادة ، وأسباب السيادة والسعادة شدد الشرع فيه بحيث لا يباع قبل قبضه ، فعلى هذين القاعدتين تخرج أكثر مسائل المقاصة في الديون .

                                                                                                                [ ص: 299 ] تمهيد : في الجواهر : المعتبر في المقاصة جنس الدينين وتساويهما واختلافهما وسببهما في كونهما من سلم أو قرض أو أحدهما ، وأجلهما في الاتفاق والاختلاف والحلول في أحدهما أو كليهما أو عدمه ، وأيضا المؤجل إذا وقعت المقاصة عنه هل يعد كالحال ، أو يجعل من هو في ذمته كالمسلف ليأخذ من نفسه إذا حل الأجل ، وأيضا إذا اجتمع المبيح والمانع وقصد المبيح هل يغلب المبيح أو المانع ؟ وعليه اختلاف ابن القاسم وأشهب إذا كان الطعامان من سلم واتفق الأجلان ورءوس الأموال : هل تجوز المقاصة وتعد إقالة ؟ قاله أشهب ، أو يمنع لأنه بيع الطعام قبل قبضه ؟ قاله ابن القاسم .

                                                                                                                تنبيه : قال في الجواهر : جمعت المقاصة المتاركة والمعارضة والحوالة فالجواز تغليبا للمتاركة ، والمنع تغليبا للمعاوضة والحوالة ، ومتى قويت التهمة وقع المنع ، ومتى فقدت فالجواز ، وإن ضعفت فقولان مراعاة للتهم البعيدة ، فنورد الآن الفروع على هذه الأصول .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية