الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8508 ) مسألة ; قال : ( ولو كانت الدابة في أيديهما ، فأقام أحدهما البينة أنها له ، وأقام الآخر البينة أنها له ، نتجت في ملكه ، سقطت البينتان ، وكانا كمن لا بينة لهما ، وكانت اليمين لكل واحد منهما على صاحبه في النصف المحكوم له به ) وجملته أنه إذا تنازع رجلان في عين في أيديهما ، فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ; ولم تكن لهما بينة ، حلف كل واحد منهما لصاحبه ، وجعلت بينهما نصفين . لا نعلم في هذا خلافا ; لأن يد كل واحد منهما على نصفها ، والقول قول صاحب اليد مع يمينه . وإن نكلا جميعا عن اليمين ، فهي بينهما أيضا ; لأن كل واحد [ ص: 247 ] منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله .

                                                                                                                                            وإن نكل أحدهما ، وحلف الآخر ، قضي له بجميعها ; لأنه يستحق ما في يده بيمينه ، وما في يد صاحبه إما بنكوله ، وإما بيمينه التي ردت عليه عند نكول صاحبه . وإن كانت لأحدهما بينة دون الآخر حكم له بها . لا نعلم في هذا خلافا . وإن أقام كل واحد منهما بينة ، وتساوتا ، تعارضت البينتان ، وقسمت العين بينهما نصفين . وبهذا قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ; لما روى أبو موسى رضي الله عنه { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير ، فأقام كل واحد منهما شاهدين ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين ، } رواه أبو داود . ولأن كل واحد منهما داخل في نصف العين ، خارج عن نصفها ، فتقدم بينة كل واحد منهما فيما في يده عند من يقدم بينة الداخل ، وفيما في يد صاحبه عند من يقدم بينة الخارج ، فيستويان على كل واحد من القولين .

                                                                                                                                            وذكر أبو الخطاب فيها ، رواية أخرى ، أنه يقرع بينهما ، فمن خرجت قرعته ، حلف أنها لا حق للآخر فيها ، وكانت العين له ، كما لو كانت في يد غيرهما . والأول أصح ; للخبر والمعنى . واختلفت الرواية ، هل يحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به ، أو يكون له من غير يمين ؟ فروي أنه يحلف ، وهذا ذكره الخرقي ; لأن البينتين لما تعارضتا من غير ترجيح ، وجب إسقاطهما ، كالخبرين إذا تعارضا وتساويا ، وإذا سقطا صار المختلفان كمن لا بينة لهما ، ويحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به . وهذا أحد قولي الشافعي ; بناء على أن اليمين تجب على الداخل مع بينته ، وكل واحد منهما داخل في نصفها ، فيحكم له به ببينته ، ويحلف معها ، في أحد القولين . والرواية الأخرى ، أن العين تقسم بينهما من غير يمين . وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي . وهو أصح ; للخبر والمعنى الذي ذكرناه . ولا يصح قياس هاتين البينتين على الخبرين المتساويين ; لأن كل بينة راجحة في نصف العين ، على كل واحد من القولين .

                                                                                                                                            وقد ذكرنا أن البينة الراجحة يحكم بها من غير حاجة إلى يمين . فأما إن شهدت إحدى البينتين بأن العين لهذا ، وشهدت الأخرى أنها لهذا الآخر ، نتجت في ملكه ، فقد ذكرنا في الترجيح بهذا روايتين ; إحداهما ، لا يرجح به . وهو اختيار الخرقي ; لأنهما تساويا فيما يرجع إلى المختلف فيه ، وهو ملك العين الآن ، فوجب تساويهما في الحكم . والثانية ، تقدم بينة النتاج وما في معناه . وهو مذهب أبي حنيفة ; لأنها تتضمن زيادة علم ، وهو معرفة السبب ، والأخرى خفي عليها ذلك ، فيحتمل أن تكون شهادتهما مستندة إلى مجرد اليد والتصرف ، فتقدم الأولى عليها ، كتقدم بينة الجرح على التعديل . وهذا قول القاضي فيما إذا كانت العين في يد غيرهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية