الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        444 [ ص: 87 ] ( 12 ) كتاب صلاة الكسوف

                                                                                                                        [ ص: 88 ] [ ص: 89 ] ( 1 ) باب العمل في صلاة الكسوف

                                                                                                                        418 - ذكر فيه مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : خسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس فقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام - وهو دون القيام الأول - ثم ركع فأطال الركوع - وهو دون الركوع الأول - ثم رفع فسجد ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك . ثم انصرف وقد تجلت الشمس . فخطب الناس فحمد الله ، وأثنى عليه ثم قال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته [ ص: 90 ] فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله . وكبروا ، وتصدقوا " ثم قال : " يا أمة محمد ! والله ! ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته . يا أمة محمد ! والله . لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " .

                                                                                                                        419 - وكذلك حديثه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن [ ص: 91 ] عبد الله بن عباس أنه قال : خسفت الشمس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه . فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة . قال : ثم ركع ركوعا طويلا . ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول . ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ، ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول . ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول . ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول . ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس . فقال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله " قالوا : يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت ، فقال : " إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا . ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا . ورأيت النار ، فلم أر كاليوم منظرا قط أفظع ، ورأيت أكثر أهلها النساء " قالوا : لم يا رسول الله ؟ قال : " لكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله ؟ ! قال : " ويكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان . لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت [ ص: 92 ] منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خيرا قط " .

                                                                                                                        420 - وعن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة زوج النبي ، صلى الله عليه وسلم : أن يهودية جاءت تسألها ، فقالت : أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيعذب الناس في قبورهم ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : عائذا بالله من ذلك . ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة مركبا . فخسفت الشمس . فرجع ضحى . فمر بين ظهراني الحجر ، ثم قام يصلي وقام الناس وراءه ، فقام قياما طويلا ثم ركع ركوعا طويلا .

                                                                                                                        ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول . ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول . ثم رفع فسجد . ثم قام قياما طويلا وهو دون [ ص: 93 ] القيام الأول . ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول . ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول . ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول . ثم رفع . ثم سجد ثم انصرف فقال ما شاء الله أن يقول . ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر
                                                                                                                        .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        9764 - وكذلك رواه ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة .

                                                                                                                        9765 - وهذه الأحاديث من أصح ما يروى في صلاة الكسوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت الآثار في صلاة الكسوف عنه كثيرة مختلفة ، وقد ذكرنا كثيرا منها في " التمهيد " .

                                                                                                                        9766 - فأما أحاديث مالك في هذا الباب فعلى ما ذكرنا تضمنت ركعتين في كل ركعة ركوعان .

                                                                                                                        [ ص: 94 ] 9767 - وبذلك يقول مالك والشافعي وأصحابهما وجمهور أهل الحجاز .

                                                                                                                        9768 - وبه قال الليث بن سعد وأحمد بن حنبل وأبو ثور .

                                                                                                                        [ ص: 95 ] 9769 - وقوله في الحديث وهو دون القيام الأول في القيام الثاني من الركعة [ ص: 96 ] الأولى فليس فيه ما يحتاج إلى تفسير ، وكذلك الركوع الثاني في الركعة الأولى دون الركوع الأول فيها ، ليس في ذلك ما يحتمل تأويلا .

                                                                                                                        9770 - وأما قوله في قيام الركعة الثانية وهو دون القيام الأول فيحتمل أن يكون أراد دون الأول في الركعة الأولى ، فتكون الركعة الأولى قيامها وحده أطول من قيام سائر الصلوات ، وكذلك ركوعها الأول يحتمل أن يكون دون الأول فيها وكذلك ركوعها الثاني دون الركوع الأول فيها ، وأي ذلك كان فلا حرج فيه إن شاء الله .

                                                                                                                        9771 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا في " التمهيد " .

                                                                                                                        9772 - وفيما ذكرنا بعد في القراءة عن مالك والشافعي ما يبين مذهبهما في ذلك .

                                                                                                                        9773 - وقال مالك : لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف . وهو مذهب الشافعي .

                                                                                                                        9774 - ورأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود ورواية عن ابن عمر .

                                                                                                                        9775 - وقال الكوفيون ، منهم أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي : صلاة الكسوف كهيئة صلاتنا ركعتان نحو صلاة الصبح ، ثم الدعاء حتى ينجلي .

                                                                                                                        9776 - وهو قول إبراهيم النخعي .

                                                                                                                        9778 - وروى محمد قول الكوفيين في صلاة الكسوف عن [ ص: 97 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي بكرة ، وسمرة بن جندب ، [ ص: 98 ] وعبد الله بن عمر ، والنعمان بن بشير ، وقبيصة [ ص: 99 ] الهلالي ، وعبد الرحمن بن سمرة .

                                                                                                                        9778 - وقد ذكرنا بعضها في " التمهيد " وهي آثار مشهورة صحاح إلا أن المصير إلى زيادة من حفظ أولى .

                                                                                                                        9779 - فإن قيل : إنه قد روي في صلاة الكسوف عشر ركعات في ركعة ، وثماني ركعات في ركعة ، وست ركعات في ركعة ، وأربع ركعات في ركعة ، فهلا صرت إلى زيادة من زاد في ذلك ؟ [ ص: 100 ] قيل له : تلك آثار معلولة ضعيفة قد ذكرنا عللها في " التمهيد " .

                                                                                                                        9780 - ومن أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة ، عن النعمان بن بشير قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف نحو صلاتكم يركع ويسجد ركعتين ركعتين ، ويسأل حتى تجلت .

                                                                                                                        9781 - رواه أيوب السختياني وعاصم الأحول ، عن أبي قلابة .

                                                                                                                        9782 - وقال قبيصة الهلالي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : إذا انكسفت الشمس أو القمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها مكتوبة .

                                                                                                                        9783 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في " التمهيد " .

                                                                                                                        9784 - وإنما يصير كل عالم إلى ما روى عن شيوخه ورأى عليه أهل بلده . وقد يجوز أن يكون ذلك اختلافا بإباحة وتوسعة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الكسوف مرارا ، فحكى كل ما رأى ، كل صادق قد جعلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالنجوم فكلهم في النقل من اقتدى به اهتدى .

                                                                                                                        9783 - وقد تكلمنا على معنى هذا الحديث في كتاب " بيان العلم " بما فيه بيان إن شاء الله .

                                                                                                                        9786 - وأما ظن من ظن من الكوفيين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ركوعه ركوعين في ركعة إلا لرفعه رأسه إلى السماء ليعلم هل تجلت الشمس أم لا ، فليس ذلك بشيء ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل صلاة الكسوف في صحراء قط فيما علمت [ ص: 101 ] وإنما صلاها في المسجد . وذلك معلوم منصوص عليه في الآثار الصحاح .

                                                                                                                        9786 - وقد ذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن حسن بن صالح ، عن عيسى بن أبي عروة قال : كسفت الشمس أو القمر فقال الشعبي : عليكم بالمسجد فإنه من السنة .

                                                                                                                        9788 - وأجمع العلماء على أن صلاة الكسوف ليس فيها أذان ولا إقامة ، إلا أن الشافعي قال : لو نادى مناد لصلاة ; ليخرج الناس إلى المسجد ، لم يكن بذلك بأس .

                                                                                                                        9789 - واختلفوا في القراءة في صلاة الكسوف ، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والليث بن سعد : القراءة فيها سرا .

                                                                                                                        9790 - وفي حديث ابن عباس في هذا الباب قوله نحو من سورة البقرة ، دليل على أن القراءة كانت سرا .

                                                                                                                        9791 - وروى سمرة بن جندب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف قال : فقام لنا كأطول ما قام بنا قط لا نسمع له صوتا .

                                                                                                                        9792 - وروى محمد بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، وعبد الله بن أبي سلمة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فصلى بالناس فقام فأطال القيام فحزرت أنه قرأ سورة البقرة . . . وساق الحديث ، قال : وسجد سجدتين ثم قام ، فحزرت قراءته أنه قرأ سورة آل [ ص: 102 ] عمران .

                                                                                                                        9793 - وقد روي عن ابن عباس أنه قال في صلاة الكسوف : كنت جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت منه حرفا .

                                                                                                                        9794 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلاة النهار عجماء .

                                                                                                                        9795 - وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنهم حزروا قراءته بالروم ويس أو العنكبوت .

                                                                                                                        9796 - والذي استحب مالك والشافعي أن يقرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بآل عمران وفي الثالثة بقدر مائة وخمسين آية من البقرة ، وفي الرابعة بقدر خمسين آية من البقرة ، وفي كل واحدة أم القرآن .

                                                                                                                        9797 - وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف .

                                                                                                                        9798 - ورووا عن علي بن أبي طالب أنه جهر .

                                                                                                                        9799 - ذكره وكيع قال : حدثنا سفيان ، عن الشيباني ، عن الحكم ، عن حنش الكناني : أن عليا جهر بالقراءة في الكسوف .

                                                                                                                        [ ص: 103 ] 9800 - قال وكيع : وحدثنا يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف ركعتين فقرأ في إحداهما بالنجم .

                                                                                                                        9801 - قال وكيع : وحدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن الماجشون ، قال : سمعت أبان بن عثمان قرأ في الكسوف " سأل سائل " [ المعارج : 1 ] .

                                                                                                                        9802 - قال أبو بكر : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن بن صالح ، عن عبد الله بن عيسى قال : صلى بنا عبد الرحمن بن أبي ليلى حين انكسف القمر مثل صلاتنا هذه في رمضان فقرأ في أول ركعة ب " يس " .

                                                                                                                        9803 - ورووا عن زيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن يزيد الخطمي أنهم جهروا بالقراءة في الكسوف .

                                                                                                                        9804 - وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه ، واحتجا بحديث سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس .

                                                                                                                        9805 - وسفيان بن حسين ليس بالقوي .

                                                                                                                        9806 - وقد تابعه على ذلك عن الزهري ، عبد الرحمن بن نمر ، وسليمان بن كثير . وكلهم لين الحديث في الزهري .

                                                                                                                        [ ص: 104 ] 9807 - وقد تقدم حديث ابن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، وعبد الله بن أبي سلمة ، عن عروة ، عن عائشة بما يعارض حديث سفيان بن حسين ومن تابعه ويدفعه .

                                                                                                                        [ ص: 105 ] 9808 - ومن حجة من قال بالجهر في صلاة الكسوف إجماع العلماء على أن كل صلاة سنتها أن تصلى في جماعة من الصلوات المسنونات فسنتها الجهر كالعيدين والاستسقاء قالوا : فكذلك الكسوف .

                                                                                                                        9809 - قال الطبري : إن شاء جهر في صلاة الكسوف ، وإن شاء أسر ، وإن شاء قرأ في كل ركعة مرتين وركع فيها ركوعين ، وإن شاء أربع قراءات وركع أربع ركعات وإن شاء ثلاث ركعات في كل ركعة ، وإن شاء ركعتين كصلاة النافلة .

                                                                                                                        9810 - قال أبو عمر : أحسن أبو جعفر ، رحمه الله .

                                                                                                                        9811 - واختلف الفقهاء أيضا في وقت صلاة الكسوف وهل تصلى في كل النهار أم لا ؟ .

                                                                                                                        9812 - فروى ابن وهب عن مالك ، قال : لا تصلى الكسوف إلا في حين تجوز فيه الصلاة النافلة فإن كسفت في غير حين صلاة لم يصلوا ، فإن جاز وقت الصلاة ولم تنجل صلوا ، فإن تجلت قبل ذلك لم يصلوا .

                                                                                                                        9813 - وروى ابن القاسم عنه قال : لا أرى أن تصلى الكسوف بعد الزوال وإنما سنتها أن تصلى ضحى إلى الزوال .

                                                                                                                        9814 - وقال الليث بن سعد : تصلى الكسوف نصف النهار لأن نصف النهار لا يكاد يثبت لسرعة الشمس .

                                                                                                                        9815 - قال الليث : حججت سنة ثلاث عشرة ومائة ، وعلى الموسم سليمان بن هشام وبمكة عطاء بن أبي رباح ، وابن أبي مليكة ، وابن شهاب ، وعكرمة بن خالد ، وعمرو بن شعيب ، وقتادة ، وأيوب بن موسى ، وإسماعيل بن أمية ، فكسفت الشمس بعد العصر فقاموا قياما يدعون الله في المسجد فقلت لأيوب بن [ ص: 106 ] موسى : ما لهم لا يصلون فقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف ؟ فقال : النهي جاء في الصلاة بعد العصر فلذلك لا يصلون ، والنهي يقطع الأمر .

                                                                                                                        9816 - وقال أبو حنيفة وأصحابه والطبري : لا تصلى صلاة الكسوف في الأوقات المنهي عنها .

                                                                                                                        9817 - وقال الشافعي : تصلى صلاة الكسوف في كل وقت نصف النهار وبعد العصر وهو قول أبي ثور .

                                                                                                                        9818 - وحجتهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن الصلاة بعد العصر والصبح إلا عن النافلة المبتدأة لا عن المكتوبات ، ولا عن الصلوات المسنونات .

                                                                                                                        9819 - وقد تقدم هذا المعنى واضحا في باب الأوقات .

                                                                                                                        9820 - وقال إسحاق : تصلى صلاة الكسوف في كل وقت إلا في حين طلوع الشمس وغروبها .

                                                                                                                        9821 - وقال إسحاق في صلاة الكسوف : إن شاء أربع ركعات في ركعتين ، وإن شاء ست ركعات في ركعتين ، كل ذلك مؤتلف يصدق بعضه بعضا ; لأنه إنما كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلت ، فإذا تجلت سجد .

                                                                                                                        9822 - قال : ولا يزاد على هذه الركعات لأنه لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ذلك .



                                                                                                                        9823 - واختلفوا أيضا في صلاة كسوف القمر .

                                                                                                                        [ ص: 107 ] 9824 - فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : لا يجمع في صلاة كسوف القمر ولكن يصلي الناس أفرادا ركعتين ركعتين كسائر الصلوات .

                                                                                                                        9825 - والحجة لهم قوله ، صلى الله عليه وسلم : " صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة " ، وخص صلاة كسوف الشمس بالجمع لها ، ولم يفعل ذلك في صلاة القمر ، فخرجت صلاة كسوف الشمس بدليلها وما ورد من التوقيت فيها وبقيت صلاة القمر على أصل ما عليه النوافل .

                                                                                                                        9826 - وقال الليث بن سعد : لا يجمع في صلاة القمر ولكن الصلاة فيها كهيئة الصلاة في كسوف الشمس .

                                                                                                                        9726 - وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة . ذكره ابن وهب عنه ، وقال : ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فإذا رأيتم ذلك فادعوا إلى الصلاة " .

                                                                                                                        9828 - وقال الشافعي ، و أصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري ، وسائر أهل الحديث في كسوف القمر كهي في كسوف الشمس سواء .

                                                                                                                        9829 - وهو قول الحسن وإبراهيم وعطاء .

                                                                                                                        9830 - وحجتهم في ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الشمس والقمر آيتان [ ص: 108 ] من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله ، عز وجل .

                                                                                                                        9831 - قال الشافعي ، رحمه الله : فكان الذكر الذي فزع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند كسوف الشمس هي الصلاة المذكورة ، فكذلك خسوف القمر تجمع الصلاة لخسوفه كهي عند كسوف الشمس ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بينهما في الذكر ، وقال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا " وفي حديث آخر : " فصلوا حتى يكشف ما بكم " وفي حديث آخر ، " فافزعوا إلى الصلاة "

                                                                                                                        9832 - وقد عرفنا كيف الصلاة عند إحداهما فكان دليلا على الصلاة عند الأخرى .

                                                                                                                        9833 - قال أبو عمر : روي عن عثمان بن عفان ، وابن عباس أنهما صليا في خسوف القمر جماعة ركعتين في كل ركعة ركوعان مثل قول الشافعي .

                                                                                                                        9834 - واختلفوا أيضا في الخطبة بعد صلاة الكسوف .

                                                                                                                        9835 - فقال الشافعي ومن اتبعه ، وهو قول إسحاق ، والطبري : يخطب بعد الصلاة في الكسوف كالعيدين والاستسقاء .

                                                                                                                        9836 - واحتج الشافعي بحديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في حديث الكسوف ، وفيه : ثم انصرف وقد تجلت الشمس : فخطب الناس فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا [ ص: 109 ] يخسفان لموت أحد ولا لحياته . . . الحديث " ، وبه احتج كل من رأى الخطبة في الكسوف .

                                                                                                                        9837 - وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : لا خطبة في كسوف الشمس .

                                                                                                                        9838 - واحتج بعضهم في ذلك بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما خطب الناس لأنهم قالوا : إن الشمس كسفت لموت إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلذلك خطبهم يعرفهم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته .

                                                                                                                        9839 - وكان مالك والشافعي : لا يريان الصلاة عند الزلزلة ولا عند الظلمة والريح الشديدة .

                                                                                                                        9840 - ورآها جماعة من أهل العلم منهم : أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

                                                                                                                        9841 - وروي عن ابن عباس أنه صلى في الزلزلة .

                                                                                                                        [ ص: 110 ] 9842 - وقال ابن مسعود : إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة .

                                                                                                                        9843 - وقال أبو حنيفة : من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج .

                                                                                                                        9844 - قال أبو عمر : لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة ، وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر فأنكرها ، وقال : أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم .

                                                                                                                        9845 - رواه ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن صفية ، قالت : زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت السور . فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم .

                                                                                                                        9846 - وروى حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : زلزلت الأرض بالبصرة ، فقال : ابن عباس والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض ، فقام بالناس فصلى مثل صلاة الكسوف .



                                                                                                                        [ ص: 111 ] 9847 - وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مالك : رأيناك تكعكعت ، فمعناه عند أهل اللغة : احتبست وتأخرت .

                                                                                                                        9848 - وقال الفقهاء : معناه تقهقرت .

                                                                                                                        9849 - والمعنى واحد متقارب .

                                                                                                                        9850 - وقال متمم بن نويرة : .


                                                                                                                        ولكنني أمضي على ذاك مقدما إذا بعض من لاقى الرجال تكعكعا

                                                                                                                        .

                                                                                                                        9851 - وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - إني رأيت الجنة ورأيت النار ، فإن الآثار في رؤيته لهما كثيرة ، وقد رآهما مرارا على ما جاءت عنه الآثار عنه - صلى الله عليه وسلم - وعند الله علم كيفية رؤيته لهما .

                                                                                                                        9852 - فيمكن أن يتمثلا له فينظر إليهما بعيني وجهه ، كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار في الإسراء فنظر إليه وجعل يخبرهم عنه .

                                                                                                                        [ ص: 112 ] 9853 - وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب ، قال الله ، عز وجل : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " [ الأنعام : 75 ] .

                                                                                                                        9854 - واختلف أهل التفسير في تأويل ذلك .

                                                                                                                        9855 - فقال مجاهد : فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن .

                                                                                                                        9856 - ذكره حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد .

                                                                                                                        9857 - وذكر معمر عن قتادة ، قال : ملكوت السماوات الشمس ، والقمر ، والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال ، والشجر ، والبحار .

                                                                                                                        9858 - والظاهر في حديث مالك في هذا الباب أنه رأى الجنة والنار رؤية عين ، والله أعلم ، وتناول من الجنة عنقودا على حسب ما جاء في الحديث . ويؤيد ذلك قوله : فلم أر كاليوم منظرا قط ، وحق النظر إذا أطلقوا الرؤية إلا أن يتعدى بهما رؤية العين إلا بدليل لا يحتمل تأويلا .

                                                                                                                        9859 - وفي ذلك دليل أيضا على أن الجنة والنار مخلوقتان .

                                                                                                                        9860 - وقد أوردنا في " التمهيد " من الآثار الدالة على ذلك ، الشاهدة به ما فيه كفاية .

                                                                                                                        9861 - وأما قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ، فإنه قد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى من وجوه شتى [ ص: 113 ] متواترة .

                                                                                                                        9862 - منها حديث أسامة بن زيد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين ، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار ، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء " .

                                                                                                                        9863 - وهذا أثبت ما يروى من الآثار .

                                                                                                                        9864 - وقد ذكرنا إسناده في " التمهيد " .

                                                                                                                        9865 - وأما قوله : قالوا : لم يا رسول الله ؟ قال : " بكفرهن " قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : " ويكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان " .

                                                                                                                        9866 - فهكذا رواية يحيى : ويكفرن العشير بالواو ، والمحفوظ فيه عن مالك من رواية ابن القاسم ، والقعنبي ، وابن وهب ، وعامة رواة " الموطأ " ، قال : يكفرن العشير بغير واو ، وهو الصحيح في الرواية ، والظاهر من المعنى .

                                                                                                                        9867 - وأما رواية يحيى فالوجه فيها - والله أعلم - أن يكون السائل لما قال : أيكفرن بالله ، لم يجبه على قوله ذلك جوابا مكشوفا لإحاطة العلم أن من النساء من يكفرن بالله كما من الرجال من يكفر بالله ، فكأنه قال : ومع إيمانهن بالله [ ص: 114 ] يكفرن العشير والإحسان ، ولم يجاوبه عن كفرهن بالله لأنه قصد إلى غير ذلك .

                                                                                                                        9868 - ألا ترى قوله للنساء : تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار .

                                                                                                                        9869 - وقد ذكرنا الحديث بذلك في " التمهيد " .

                                                                                                                        9870 - وأما قوله : " يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان " فالعشير في هذا الموضع عند أهل العلم : الزوج .

                                                                                                                        9871 - والمعنى عندهم في ذلك كفر النساء لحسن معاشرة الزوج ، ثم عطف على ذلك كفرهن بالإحسان جملة في الزوج وغيره .

                                                                                                                        9872 - وقال أهل اللغة : الخليط من المعاشرة والمخالطة .

                                                                                                                        9873 - ومنه قول الله ، عز وجل : " لبئس المولى ولبئس العشير " [ الحج 13 ] .

                                                                                                                        9874 - قال الشاعر : .


                                                                                                                        فتلك التي لم يشكها في خليقة عشير وهل يشكو الكريم عشير

                                                                                                                        .

                                                                                                                        9875 - وقال آخر : [ ص: 115 ]

                                                                                                                        سلا هل قلاني من عشير صحبته وهل ذم رحلي في الرفاق دخيل



                                                                                                                        9876 - وقد ذكرنا في " التمهيد " من طرق قوله : " لا ينظر الله - عز وجل - إلى امرأة لا تعرف حق زوجها ولا شكره وهي لا تستغني عنه " .

                                                                                                                        9877 - والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

                                                                                                                        9878 - وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة عائذا بالله من عذاب القبر فكثيرا ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من عذاب الله ومن فتنة القبر ، وأهل السنة والجماعة مصدقون بفتنة القبر وعذاب القبر لتوافر الأخبار بذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        9879 - وقد أثبتنا منها في " التمهيد " بما فيه شفاء ، والحمد لله .

                                                                                                                        9880 - وأما قوله : خسفت الشمس ، فالخسوف عند أهل اللغة ذهاب لونها .

                                                                                                                        9881 - وأما الكسوف فتغير لونها .

                                                                                                                        9882 - قالوا : يقال بئر خسيف ، إذا ذهب ماؤها ، وفلان كاسف اللون أي متغير اللون إلى الصفرة .

                                                                                                                        9883 - وقد قيل : الكسوف والخسوف بمعنى واحد .




                                                                                                                        الخدمات العلمية