الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون

                                                                                                                                                                                                                                      وينبئ عنه قوله تعالى : كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه فإنه استئناف مفيد بعبارته ; لاستمرار عدم التناهي عن المنكر ، ولا يمكن استمراره إلا باستمرار تعاطي المنكرات ، وليس المراد بالتناهي : أن ينهى كل واحد منهم الآخر عما يفعله من المنكر ، كما هو المعنى المشهور لصيغة التفاعل ، بل مجرد صدور النهي عن أشخاص متعددة من غير اعتبار أن يكون كل واحد منهم ناهيا ومنهيا معا ، كما في تراءوا الهلال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : التناهي بمعنى : الانتهاء ، يقال : تناهى عن الأمر وانتهى عنه : إذا امتنع عنه وتركه ; فالجملة حينئذ مفسرة لما قبلها من المعصية والاعتداء ، ومفيدة لاستمرارهما صريحا ، وعلى الأول مفيدة لاستمرار انتفاء النهي عن المنكر ، بأن لا يوجد فيما بينهم من يتولاه في وقت من الأوقات ، ومن ضرورته استمرار فعل المنكر حسبما سبق ، وعلى كل تقدير فما يفيده تنكير المنكر من الوحدة [ ص: 70 ] نوعية لا شخصية ، فلا يقدح وصفه بالفعل الماضي في تعلق النهي به ، لما أن متعلق الفعل إنما هو فرد من أفراد ما يتعلق به النهي ، والانتهاء من مطلق المنكر باعتبار تحققه في ضمن أي فرد كان من أفراده ، على أن المضي المعتبر في الصفة إنما هو بالنسبة إلى زمان النزول ، لا إلى زمان النهي ، حتى يلزم كون النهي بعد الفعل ، فلا حاجة إلى تقدير المعاودة ، أو المثل ، أو جعل الفعل عبارة عن الإرادة ، على أن المعاودة كالنهي لا تتعلق بالمنكر المفعول ، فلا بد من المصير إلى أحد ما ذكر من الوجهين ، أو إلى تقدير المثل ، أو إلى جعل الفعل عبارة عن إرادته ، وفي كل ذلك تعسف لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      لبئس ما كانوا يفعلون تقبيح لسوء أعمالهم ، وتعجيب منه بالتوكيد القسمي ، كيف لا وقد أداهم إلى ما شرح من اللعن الكبير ، وليس في تسببه بذلك دلالة على خروج كفرهم عن السببية ، مع الإشارة إلى سببيته له فيما سبق من قوله تعالى : " لعن الذين كفروا " ; فإن إجراء الحكم على الموصول مشعر بعلية ما في حيز الصلة له ، لما أن ما ذكر في حيز السببية مشتمل على كفرهم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية