الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ المسألة ] العاشرة : اختلفوا في الجمل المتعاطفة إذا تعقبها شرط ، هل يرجع إلى الجميع أو يختص بالأخيرة ؟ على طريقين .

                                                      أحدهما : على قولين ، وممن حكاها الصيرفي في كتابه الدلائل ، فقال : اختلف أهل اللغة في ذلك ، فقال قوم : يرجع إلى ما يليه حتى يقوم دليل على إرادة الكل . وقال قوم : بل يرجع إلى الكل حتى يقوم دليل إرادة البعض ثم اختار الصيرفي رجوعه إلى الكل ، لأن الشرط وقع في آخر الكلام ، فلم يكن آخر المعطوفات أو به من غيره ، فأمضي على عمومه .

                                                      وحكى الغزالي عن الأشعرية عدم عوده إلى الجميع . قال ابن الفارض المعتزلي في النكت " : الذي في كتب علمائنا كثيرا رجوعه إلى الجميع . ويفرقون بينه وبين الاستثناء . ومنهم من سوى بينهما في رده إلى الجميع ، قال : ووجدت بعض الأدباء يسوي بينهما في الرجوع إلى ما يليهما .

                                                      والطريقة الثانية : القطع بعوده إلى الجميع ، والفرق أن الشرط منزلته التقدم على المشروط ، فإذا أخر لفظا كان كالمصدر في الكلام ، ولو صدر [ ص: 448 ] لتعلق بالجميع ، فكذا المتأخر . وعلى هذا جرى ابن مالك في باب الاستثناء من شرح التسهيل " ، فقال : واتفق العلماء على تعلق الشرط بالجميع في نحو : لا تصحب زيدا ولا تزره ولا تكلمه إن ظلمني ، واختلفوا في الاستثناء . انتهى . وهو ما أورده القفال والماوردي قالا : إلا أن يخصه دليل .

                                                      ونقل الأستاذ أبو إسحاق فيه اتفاق أصحابنا . لكن في كتب الفروع عن ابن الحداد إذا قال : أنت طالق واحدة وثلاثا إن دخلت الدار ، أن الشرط متعلق بالأخيرة .

                                                      ونقل أصحاب المعتمد " والمصادر " و المحصول " وفاق أبي حنيفة لنا على ذلك ، لكن القاضي ابن كج والماوردي حكيا عن أبي حنيفة اختصاصه بالأخيرة على قاعدته في الاستثناء . قال الماوردي : وهو غلط لقوله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } إلى قوله : { فمن لم يجد } فهو عائد إلى جميع ما تقدم لا إلى الرقبة .

                                                      ومثل القفال والصيرفي لتخصيصه ببعض المعطوفات بقوله تعالى : { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فإن الشافعي قصر الشرط على الربائب دون أمهات النساء ، لدليل قام عنده في ذلك لا يصلح رده إلى الأمهات ، لأن الشرط لو اقترن به لم يستقم . ألا ترى أنه لو قيل : وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن لم يكن للكلام معنى ، لأن أمهات نسائنا أمهات أزواجنا ، وهي نساؤكم اللاتي دخلتم بهن [ ص: 449 ] من أزواجكم فكيف ترون أمهات أزواجنا من أزواجنا اللاتي دخلتم بهن ؟ وفي هذا بيان أن قوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } وصف للربيبة . ألا ترى أنه يصلح أن يقال : هذه ربيبة لامرأة لي ، قد دخلت بها ، ولا يصلح أن يقال : هذه أم امرأتي من امرأة لم أدخل بها ، ولهذا بطل رجوعه إلى الأولى . وإنما يرجع الاستثناء والشرط إلى جميع ما سبق إذا صلح أن يذكر مقرونا بكل واحد منهما كما سبق . انتهى كلام القفال .

                                                      وشرط ابن القشيري للعود إلى الجميع ما سبق في الاستثناء . فقال : إذا كان الخطاب على جمل منها مستقل ، ولو نيطت واحدة منها بشرط لم يقتض تعلقه بالكل ، وكذا إذا توالت ألفاظ عامة يثبت المخصص في بعضها لم يوجب التخصيص فيما عداه ، كقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } الآية . واختار الرازي التوقف هنا ، ولا بعد في توقف القاضي فيه على ما تقدم في الاستثناء ، وتكلف الفرق بينها ضعيف .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية