الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1017 [ ص: 78 ] حديث سابع عشر لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ; وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وإن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها .

[ ص: 79 ]

التالي السابق


[ ص: 79 ] هكذا رواه جماعة أصحاب الموطأ عن مالك ، لم يختلفوا عليه في إسناده ، واختلفوا عنه في بعض ألفاظه ; فكان ابن بكير يقول : سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية التي عند مسجد بني زريق ، وخالفه جمهور الرواة ، منهم : ابن القاسم ، والقعنبي ، وابن وهب ، فرووا كما روى يحيى من الثنية إلى مسجد بني زريق ; وفي ألفاظ أصحاب نافع ، وألفاظ الرواة عنه في هذا الحديث اختلاف تراه في هذا الباب - إن شاء الله .

وروى هذا الحديث ابن عيينة ، عن أيوب ، عن مجاشع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، وقال فيه عقبة بن خالد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل ، وفضل القرح في الغاية . هذا لفظ حديثه ، ولم يقل ذلك في هذا الحديث عقبة بن خالد هذا ; وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوذكي ، قال حدثنا عبد الملك بن حرب بن عبد الملك ، عن مجاشع بن مسعود السلمي ، قال حدثني أبي وعمي ، عن جدي ، أن ناسا من أهل [ ص: 80 ] البصرة ضمروا خيولهم ، فنهاهم الأمير عتبة بن غزوان أن يجروها حتى كتب إلى عمر ، فكتب إليه عمر : أن أرسل القرح من رأس مائة غلوة ، ولا يركبها إلا أربابها ; فجاء مجاشع بن مسعود ، سابقا على الغراء . ورواه ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضمر الخيل ثم يسبق . فاختصره ولم يذكر الأمد والغاية .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال حدثنا خلاد بن يحيى ، قال حدثنا سفيان الثوري ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجرى ما أضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع ، وأجرى ما لم يضمر من الحفياء إلى مسجد بني زريق . هكذا قال من الحفياء إلى مسجد بني زريق ، ومالك يقول من الثنية إلى مسجد بني زريق ، والصواب ما قاله مالك إن شاء الله - والله أعلم - ; لأنه قد تابعه الليث ، وموسى بن عقبة .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا مسدد ، قال حدثنا المعتمد عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضمر الخيل يسابق بها . وهذا عن عبيد الله مختصر المعنى ، كرواية ابن أبي ذئب عن نافع ، سواء ورواية الثوري عنه أكمل وأولى عند أهل العلم . [ ص: 81 ] وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال حدثنا محمد بن معاوية ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال حدثنا الليث ، عن نافع عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل يرسلها من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر ، وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وهذا مثل رواية مالك سواء .

وفي هذا الحديث من الفقه المسابقة بين الخيل ، وذلك مما خص وخرج من باب القمار ، بالسنة الواردة في ذلك ; والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها ويقام هذه السنة فيها ، هي الخيل المعدة لجهاد العدو ، لا لقتال المسلمين في الفتن ; فإذا كانت خيلا مرتبطة معدة للجهاد في سبيل الله ، كان تضميرها والمسابقة بها سنة مسنونة على ما جاء في هذا الحديث . [ ص: 82 ] وفي هذا الحديث أيضا من الفقه ، أن المسابقة يجب أن يكون أمدها معلوما ، وأن تكون الخيل متساوية الأحوال ، وأن لا يسبق المضمر المضمر في أمد واحد ، وغاية واحدة ; واختلف الفقهاء في معان من هذا الباب نذكرها - إن شاء الله .

وأما قوله في هذا الحديث الحفياء ، وثنية الوداع ، فمواضع معروفة بالمدينة ; فأما ثنية الوداع ، فزعموا أنه إنما سميت بذلك لأن النبي عليه السلام ودع بها بعض المقيمين بالمدينة في بعض مخارجه وأسفاره ، وانصرفوا عنه منها . وقيل إنما سميت بذلك لأن رسول الله شيع إليها بعض سراياه وودعه عندها ; وقيل إنما سميت بذلك لأن المسافر من المدينة كان يشيع إليها ويتودع منه عندها قديما ; وأظنها على طريق مكة ، ومنها بدا رسول الله وظهر إلى المدينة في حين إقباله من مكة ، فقال شاعرهم :

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع

[ ص: 83 ] وبين ثنية الوداع وبين الحفياء ستة أميال أو نحوها ، وبينها وبين مسجد بني زريق ميل أو نحوه ; فكان أمد الخيل التي ضمرت ستة أميال أو نحوها ، وكان أمد غيرها ميلا أو نحوه ; كذا قال موسى بن عقبة ; قرأت على عبد الوارث بن سفيان ، أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد ، قال حدثنا محبوب بن موسى ، قال حدثنا إسحاق الفزاري ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع عن ابن عمر ، قال سابق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيل التي أضمرت فأرسلها من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ; قال فقلت لموسى كم بين ذلك ؟ قال ستة أميال ، أو سبعة ، وسابق من الخيل التي لم تضمر ، فأرسلها من ثنية الوداع ، وكان أمدها مسجد بني زريق ، قلت : وكم بين ذلك ؟ قال ميل أو نحوه ; قال وكان ابن عمر ممن سابق بها

حدثني يوسف بن محمد بن يوسف ، ومحمد بن إبراهيم بن سعيد ، ومحمد بن قاسم بن محمد قالوا حدثنا [ ص: 84 ] محمد بن معاوية ، قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قالا حدثنا أحمد بن حنبل ، قال حدثنا عقبة بن خالد ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل ، وفضل القرح في الغاية .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى ، قال حدثنا موسى بن هارون الحمال ، قال حدثنا أحمد بن حنبل ، وأبو خيثمة ، قالا حدثنا عقبة بن خالد ، قال حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل وفضل القرح في الغاية .

قال أبو عمر : إن صح حديث عقبة هذا ففيه دليل على أن التي كانت قد ضمرت من الخيل المذكورة في هذا الحديث كانت قرحا - والله أعلم - .

وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب ، فإن مالكا قال سبق الخيل أحب إلي من سبق الرمي ، قال ويكون السبق على الخيل على نحو ما يسبق الإمام ، فإن كان المسبق غير الإمام ، فعل كما يفعل الإمام ، ولا يجب أن يرجع إليه شيء مما أخرج في السبق . [ ص: 85 ] وقال الليث : قال ربيعة في الرجل سبق القوم بشيء إن سبقه لا يرجع إليه ، قال الليث : ونحن نرى إن كان سبق سبقا يجوز السبق في مثله ، أن سبقه جائز ، فإن سبق أخذ ذلك منه ; وإن سبق ، أحرز سبقه ، ذكره ابن وهب عن الليث قال : وقال مالك : أرى أن يخرجه على كل حال : سبق أو لم يسبق على مثل السلطان .

قال أبو عمر : قول الأوزاعي في هذا الباب نحو قول مالك ، وربيعة ، في أن الأشياء المخرجة في السبق ، لا تنصرف إلى مخرجها . وقال الشافعي : الأسباق ثلاثة : سبق يعطيه الوالي أو غير الوالي من ماله متطوعا ، فيجعل للسابق شيئا معلوما : من سبق أخذ ذلك السبق ، وإن شاء الوالي أو غيره جعل للمصلي ، وللثالث ، والرابع - شيئا ، شيئا ، فذلك كله حلال لمن جعل له ، ليست فيه علة . والثاني يجتمع من وجهين ، وذلك أن يريد الرجلان أن يستبقا بفرسيهما ، ويريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ، ويخرجان سبقين ; فهذا لا يجوز إلا بمحلل ، وهو أن يجعلا بينهما فرسا لا يأمنان أن يسبقهما ، فإن سبق المحلل [ ص: 86 ] أخذ السبقين ، وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه ، وأخذ سبق صاحبه ; فإن سبق الاثنان الثالث ، كانا كمن لم يسبق واحد منهما ; وأيهما سبق صاحبه فله السبق على ما وصفنا ، ولا يجوز حتى يكون الأمد واحدا ، والغاية واحدة ; قال ولو كانوا مائة فأدخلوا بينهم محللا ، فكذلك والثالث إن سبق أحدهما صاحبه ، ويحرز السبق وحده ; فإن سبقه صاحبه ، أخذ السبق ، وإن سبق صاحبه ، أحرز السبق ، وهو في معنى الوالي ; قال ويخرج المتسابقان ما يتراضيان عليه ، ويتواضعان على يدي رجل ; وأقل السبق أن يسبق بالهادي ، أو بعضه ، أو بالكفل ، أو بعضه ; والسبق بين الرماة على هذا النحو عنده ، وليس هذا موضع ذكره ; وقول محمد بن الحسن في هذا الباب ، نحو قول الشافعي ; قال محمد عنه وعن أصحابه : إذا فعل السبق واحد ، فقال إن سبقتني ، فلك كذا وكذا ، ولم يقل إن سبقتك فعليك كذا ، فلا بأس ; ويكره أن يقول إن سبقتك فعليك كذا ، وإن سبقتني فعلي كذا ، هذا لا خير فيه ; [ ص: 87 ] وإن قال رجل غيرهما أيكما سبق فله كذا ، فلا بأس ; وإن كان بينهما محلل إن سبق لم يغرم ، وإن سبق أخذ ، فلا بأس ; وذلك إذا كان سبق ويسبق .

قال أبو عمر : أما الوجه الذي لا يجوز إلا بالمحلل - على ما ذكره الشافعي ، ومحمد بن الحسن ، وهو قول أكثر أهل العلم ; فإنه لا يجوز عند مالك . ولا يعرف مالك المحلل ; ومن ذهب إليه فحجته حديث النبي عليه السلام في ذلك ، وهو حديث انفرد به سفيان بن حسين ، من بين أصحاب ابن شهاب : حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثني أبي ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا علي بن مسلم ، قال حدثنا عباد بن العوام ، قالا جميعا أخبرنا سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار . قال أبو داود : وقد رواه الوليد بن [ ص: 88 ] مسلم ، عن سعيد بن بشير ، عن الزهري بإسناد سفيان بن حسين ومعناه ; قال أبو داود : ورواه معمر ، وشعيب ، وعقيل عن الزهري ، عن رجال من أهل العلم ، وهو أصح عندنا ، قال أبو عمر : ممن أجاز المحلل على حسب ما ذكرنا سعيد بن المسيب ، وابن شهاب ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، واتفق ربيعة ، ومالك ، والأوزاعي على أن الأشياء المسبق بها لا ترجع إلى المسبق بها على حال ; وخالفهم الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وغيرهم ; ومن حجة هؤلاء ، أن أصول الأشياء المسبق بها قد كانت في ملك أربابها ، وإنما أخرج الشيء ربه على شرط ، فلا يجوز أن يملك عنه إلا بذلك الشرط ، أو ينصرف إليه ; وأجمع أهل العلم على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف ، والحافر ، والنصل ، فأما الخف فالإبل ، وأما الحافر فالخيل ، وأما النصل فكل سهم وسنان ; وقال مالك والشافعي : ما عدا هذه الثلاث فالسبق فيها قمار . [ ص: 89 ] وأجاز العلماء في غير الرهان السبق على الأقدام ، لما في حديث سلمة بن الأكوع - الحديث الطويل في ذكر غارة عيينة بن حصين وابنه - على سرح المدينة ، ولقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فذكر انصرافهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما أظفرهم الله به من عدوهم ، قال وأردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما كان بيننا وبين المدينة صحوة - وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا ; فقال هل من مسابق إلى المدينة ؟ ألا مسابق فأعادها مرارا - وأنا ساكت ; فقلت له : أما تكرم كريما ، ولا تهاب شريفا ؟ قال لا ، إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله دعني فلأسابق هذا الرجل ، قال : إن شئت ، فنزلت وطفق يشتد وحبست نفسي عن الاشتداد ، شرفا أو شرفين ، ثم عدوت فلحقته ، فصككته بين كتفيه وقلت : سبقتك والله ، فنظر إلي وضحك ، فصرنا حتى وردنا المدينة .

وفي الحديث : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالنا سلمة بن الأكوع . [ ص: 90 ] وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، تسابق مع عائشة على قدميه .

فما كان من هذا وشبهه على سبيل الاشتداد والدربة في العدو ، والعدة للعدو ; أو على وجه اللهو لا على وجه الرهان ، فلا بأس به ; وما كان على وجه المراهنة ، فلا يجوز ولا يحل ، قال الشافعي : لو أن رجلا تسابق مع رجل على أقدامهما ، أو تسابقا في سبق طائر ، أو على أن يمسك شيئا في يده ، فيقول له : ازجر ، أو على أن يقوم على قدميه ساعة ، أو ساعات ، أو على أن يتصارعا ، أو على أن يتراميا بالحجارة ، فيغلبه ويأخذ سبقا جعلاه ; فإن هذا كله غير جائز ، وما أخذ عليه فهو من أكل المال بالباطل ; وقد نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون شيء من السبق جائزا إلا في الخف ، والحافر ، والنصل .

قال أبو عمر : في معنى حديث هذا الباب جاء قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا جنب ولا شغار في الإسلام ، فأما الشغار [ ص: 91 ] فقد مضى ذكره ، وما للعلماء في معناه في بابه من حديث نافع ، وأما قوله : لا جلب ولا جنب ، فقد اختلف في تفسيره ، والذي قاله مالك في ذلك ، ما ذكره عنه في الموطأ جماعة من رواته ، وقوله ذلك يدخل في هذا الباب .

قال القعنبي : سئل مالك عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا جنب ، ولا جلب . وما تفسير ذلك ؟ فقال : قد بلغني ذلك ، وتفسيره يجلب وراء الفرس حين يدنو - يعني من الأمد ، أو يحرك وراءه الشيء يستحث به ليسبق بذلك الجلب ; والجنب أن يجنب مع الفرس الذي يسابق به فرسا آخر ، حتى إذا دنا تحول راكبه على الفرس المجنوب فأخذ السبق ، وهذا ليس في رواية يحيى بن يحيى للموطأ .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي ، وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن عبد السلام ، قالا حدثنا محمد بن بشار ، قال حدثنا محمد بن جعفر ، قال حدثنا شعبة ، عن أبي قزعة ، عن الحسن ، [ ص: 92 ] عن عمران بن حصين ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا جنب ولا جلب ولا شغار في الإسلام . ورواه حميد ، عن الحسن ، عن عمران ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، قال أحمد بن أبي طاهر :

وإذا تكاثر في الكتيبة أهلها كنت الذي ينشق عنه الموكب
وأتيت نقدم من تقدم منهم ووراء رأيك كل أمر يجنب

.

روى موسى بن إسماعيل ، قال حدثنا عباد بن صالح السلمي ، قال أخبرني الهيثم بن أبي العجفاء ، أن أباه أخبره ، قال : ضمر ناس من أهل البصرة خيولهم ، فنهاهم الأمير أن يجروها ، حتى كتب إليه عمر : ليجروها ، ولا يركبها إلا أربابها .

قال أبو عمر : لم يذكر في هذا الباب شيئا من أحكام النصل ، والمسابقة به عند العلماء ; ولا من أحكام الإبل - وإن كان لا فرق بين الإبل والخيل في شيء من هذا الباب وأما النصل ، فله وجوه ومعان ، ذكرها الشافعي وغيره ، لم أر لذكر شيء منها وجها هاهنا ، إذ ليس في حديث هذا الباب ذكر شيء منها . [ ص: 93 ] وإنما يتكلم على معنى ما في حديث الباب وبالله العون : أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال محمد بن معاوية ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن ، قال حدثنا سفر ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا أحمد بن يونس ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال حدثنا أحمد بن يونس ، والقعنبي ، قالا حدثنا ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل .

وأخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال حدثنا محمد بن كثير ، قال أخبرنا سفيان بن سعيد ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع بن أبي نافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، [ ص: 94 ] ورواه الشافعي ، عن ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، وهذا حديث احتاج الناس فيه إلى ابن أبي ذئب ، فرواه عنه جماعة من الأئمة ، وهو يبيح السباق في الثلاث المذكورات فيه ، وينفيه فيما سواها . وقد روى ابن صالح السمان وغيره ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا سبق إلا في خف أو حافر . ليس في حديثهما ذكر النصل ، وقد ثبت ذكر النصل في حديث ابن أبي ذئب ، وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق في هذا الباب ، وقد زاد أبو البختري القاضي في هذا الحديث : أو جناح ، وهي لفظة وضعها للرشيد ، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته ، فلا يكتب حديثه بحال ; وقد ذكرنا قصته في غير هذا الموضع ، وبالله العصمة والتوفيق . [ ص: 95 ] أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، قال حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري ، قال حدثنا الزبير بن أبي بكر القاضي ، قال حدثني أخي عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال حدثني عباس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكرالصديق ، قال : سابق عمر بن عبد العزيز بالخيل بالمدينة ، وكان فيها فرس لمحمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وفرس لإنسان جعدي فتسابقا - والخيل حيث جاءت ، فإذا فرس الجعدي متقدما ، فجعل الجعدي - يرتجز بأبعد صوته :

غاية مجد نصبت يا من لها نحن جرينا لها وكنا أهلها
لو ترسل الطير لجئنا قبلها

، فلم ينشب أن لحقه فرس محمد بن طلحة وجاوزه فجاء سابقا ، فقال عمر بن عبد العزيز ( للجعدي ) سبقك - والله ابن السباق إلى الخيرات .




الخدمات العلمية