الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ( العلم الإلهي )


      علمه بما بدا وما خفي أحاط علما بالجلي والخفي

      .

      أي ومما أثبته الله - عز وجل - لنفسه ، وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه عليم بعلم ، وأن علمه محيط بجميع الأشياء من الكليات والجزئيات ، وهو من صفاته الذاتية ، وعلمه أزلي بأزليته ، وكذلك جميع صفاته ، فقد علم - تعالى - في الأزل جميع ما هو خالق ، وعلم جميع أحوال خلقه ، وأرزاقهم وآجالهم ، وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم ، ومن هو منهم من أهل الجنة ، ومن هو منهم من أهل النار ، وعلم عدد أنفاسهم ولحظاتهم ، وجميع حركاتهم وسكناتهم ، أين تقع ؟ ومتى تقع ؟ وكيف تقع ؟ كل ذلك بعلمه وبمرأى منه ومسمع ، لا تخفى عليه منهم خافية ، سواء في علمه الغيب [ ص: 238 ] والشهادة ، والسر والجهر ، والجليل والحقير ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا في الدنيا ولا في الآخرة ، قال الله تعالى : ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم ) ، ( البقرة : 235 ) ، وقال تعالى : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) ، ( البقرة : 197 ) ، وقال تعالى : ( وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ) ، ( البقرة : 215 ) ، وقال تعالى : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) ، ( البقرة : 283 ) ، وقال تعالى : ( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ) ، ( آل عمران : 5 ) ، وقال تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) ، ( الأنعام : 59 ) ، وقال تعالى : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) ، ( البقرة : 187 ) ، وقال تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) ، ( يونس : 61 ) ، وقال تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) ، ( هود : 5 ) ، وقال تعالى : ( والله بكل شيء عليم ) ، ( النساء : 176 ) ، وقال تعالى : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) ، ( الرعد : 8 - 10 ) ، وقال عن نبيه شعيب : ( وسع ربنا كل شيء علما ) ، ( الأعراف : 89 ) ، وقال - تعالى - عن خليله : ( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ) ، ( إبراهيم : 38 ) ، وقال تعالى : ( لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ، ( النحل : 23 ) ، وقال تعالى : ( وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ) [ ص: 239 ] ( الإسراء : 55 ) ، وقال تعالى : ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ) ، ( طه : 7 ) ، وقال تعالى : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ) ، ( طه : 110 ) ، وقال تعالى : ( قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم ) ، ( الأنبياء : 4 ) ، وقال تعالى : ( إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون ) ، ( الأنبياء : 110 ) ، وقال تعالى : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ) ، ( الحج : 70 ) ، وقال تعالى : ( ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم ) ، ( النور : 64 ) ، وقال تعالى : ( وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ) ، ( النمل : 74 - 75 ) ، وقال تعالى : ( إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ) ، ( لقمان : 16 ) ، وقال تعالى : ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ) ، ( السجدة : 6 ) ، وقال تعالى : ( إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ) ، ( الأحزاب : 54 ) ، وقال تعالى : ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) ، ( سبأ : 3 ) ، وقال تعالى : ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ) ، ( فاطر : 11 ) ، وقال تعالى : ( إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور ) ، ( فاطر : 38 ) ، وقال تعالى : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) ، ( غافر : 19 ) ، وقال تعالى : ( إنه بكل شيء محيط ) ، ( فصلت : 54 ) ، وقال تعالى : ( ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ) ، ( محمد : 30 ) ، وقال تعالى : ( قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ) ، ( الحجرات 16 ) ، وقال تعالى : ( إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون ) [ ص: 240 ] ( الحجرات 18 ) ، وقال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ، ( ق : 16 ) ، وقال تعالى : ( نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار ) ، ( ق : 45 ) ، وقال تعالى : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ) ، ( النجم : 30 ) ، وقال تعالى : ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) ، ( النجم : 32 ) ، وقال تعالى : ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ) ، ( الحديد : 4 ) ، وقال تعالى : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء ) ، ( المجادلة : 7 ) ، وقال تعالى : ( تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) ، ( الممتحنة 1 ) ، وقال تعالى : ( يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ) ، ( التغابن : 4 ) ، وقال تعالى : ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة ) ، ( سبأ : 3 ) ، وقال تعالى : ( عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ) ( التغابن : 4 ) ، وقال تعالى : ( لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) ، ( الطلاق : 12 ) ، وقال تعالى : ( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، ( تبارك : 13 ) ، وقال تعالى : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ، ( القلم 7 ) ، وقال تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) ، ( الجن : 26 - 28 ) ، وقال تعالى : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ) [ ص: 241 ] ( المزمل 20 ) الآية ، وقال تعالى : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) ، ( الأعلى : 7 ) ، وقال : ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) ، ( النور : 63 ) ، وقال تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) ، ( لقمان : 34 ) ، وقال تعالى : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ) ، ( النساء : 166 ) ، وقال تعالى : ( إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) ، ( فصلت : 47 ) ، وقال تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن ) ، ( هود : 14 ) ، وقال تعالى : ( إن الله سميع عليم - إن الله عليم حكيم - إن الله عليم خبير - إن الله كان عليما حكيما - إن الله كان عليما خبيرا - إنه عليم بذات الصدور ) ، ولو ذهبنا نسوق جميع الآيات في إثبات علم الله - عز وجل - ، لطال الفصل ، وفيما ذكرنا كفاية .

      وفي الصحيحين عن جابر - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلم السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - ثم يسميه بعينه - خيرا لي في عاجل أمري وآجله ، أو قال : في ديني ومعاشي ، وعاقبة أمري ، فاقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي ، وعاقبة أمري ، أو قال : في عاجل أمري وآجله ، فاصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به . وفيهما من حديث تعاقب الملائكة بأطراف النهار : فيسألهم وهو أعلم بهم . وفيهما دعاء الكرب : لا إله إلا الله العليم [ ص: 242 ] الحليم .

      وفيهما من حديث الذي أوصى أن يحرق ويذرى ، ثم قال : لم فعلت ؟ قال : من خشيتك ، وأنت أعلم . وفيهما من حديث قصة موسى والخضر : إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه ، إذ لم يرد العلم إلى الله . وفي رواية " إليه " ، وفيه قول الخضر - عليه السلام : يا موسى ، إنك على علم من علم الله ، علمكه الله لا أعلمه ، وأنا على علم من علم الله ، علمنيه الله لا تعلمه ، إلى أن قال : فركبا في السفينة ، قال : ووقع عصفور على حرف السفينة ، فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى : ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره . وفي رواية : إلا ما نقص هذا العصفور من هذا البحر .

      وفيهما عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مفاتيح الغيب خمس ، لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله . وفيهما من حديث أبي موسى الأشعري : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . إلى غير ذلك من [ ص: 243 ] الأحاديث .

      وكما أخبر الله - تعالى - عن علمه بما كان وما سيكون ، كذلك أخبر عما لم يكن من الممكنات والمستحيلات لو كان كيف يكون ، فقال - تعالى - في الممكن على تقدير وقوعه : ( وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ) ، ( الأنعام : 9 ) ، وقال تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) ، ( فصلت : 44 ) الآية ، وقال تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) ، ( الأنعام : 109 - 110 ) ، وقال تعالى : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) ، ( الشعراء : 198 - 199 ) ، إلى غير ذلك .

      وقال - تعالى - في المستحيلات لو قدر إمكانها : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) ، ( الأنبياء : 22 ) ، وقال تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ) ، ( المؤمنون : 91 ) ، وقال تعالى : ( قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) ، ( الإسراء : 42 - 43 ) ، إلى غير ذلك .

      وأنكرت الجهمية والمعتزلة أن يكون لله علم أضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى الموصوف ، فأنكروا أن يكون أنزل القرآن بعلمه ، وأن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه ، وجحدوا أن يكون قد أحاط بكل شيء علما ، وحاربوا نصوص الكتاب والسنة وجميع سلف الأمة ، فليس معبودهم هو العليم الخبير الذي هو بكل شيء عليم ، وإنما يعبدون العدم المحض الذي لا حقيقة له ولا وجود ، فليصفوه بما شاءوا ، فبعدا للقوم الظالمين .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية