الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        447 [ ص: 116 ] ( 2 ) باب ما جاء في صلاة الكسوف

                                                                                                                        421 - ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ; أنها قالت : أتيت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خسفت الشمس . فإذا الناس قيام يصلون . وإذا هي قائمة تصلى . فقلت : ما للناس ؟ فأشارت بيدها نحو السماء وقالت : سبحان الله ! فقلت : آية ؟ فأشارت برأسها أن نعم . قالت : فقمت حتى تجلاني الغشي . وجعلت أصب فوق رأسي الماء . فحمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه ، ثم قال : " ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا . حتى الجنة والنار . ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال ( لا أدري أيتهما قالت أسماء ) يؤتى أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن ( لا أدري أي ذلك قالت أسماء ) فيقول ، هو محمد رسول الله . جاءنا بالبينات والهدى . فأجبنا ، وآمنا ، واتبعنا ، فيقال له : نم صالحا . قد علمنا إن كنت لمؤمنا . وأما المنافق أو المرتاب ( لا أدري أيتهما قالت أسماء ) فيقول : لا أدري . سمعت الناس يقولون شيئا ، فقلته .

                                                                                                                        [ ص: 117 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 117 ] 9884 - فيه من الفقه : أن كسوف الشمس يصلى له ، وقد تقدم بيان ذلك : والحمد لله .

                                                                                                                        9885 - وفيه أن الشمس إذا كسفت بأقل شيء منها وجبت الصلاة لذلك على سنتها .

                                                                                                                        9886 - ألا ترى إلى قول أسماء : ما للناس وأشارت لها عائشة بيدها نحو السماء ، فلو كان كسوفا بينا ما خفي عن أسماء ولا غيرها حتى تحتاج أن يشار إلى السماء ، وقد استدل على هذا الحديث بعض أصحابنا في سر القراءة في صلاة الكسوف .

                                                                                                                        9878 - وفيه : أن المصلي إذا كلم أشار وسبح ولم يتكلم ; لأن الكلام ممنوع منه في الصلاة .

                                                                                                                        9888 - وفيه : أن النساء يسبحن إذا نابهن شيء في الصلاة .

                                                                                                                        9889 - وذلك حجة لمالك على من قال : إن سنتهن التصفيق .

                                                                                                                        9890 - وقد مضى قوله ، صلى الله عليه وسلم : " من نابه شيء في صلاته فليسبح ، فإنما التصفيق للنساء " .

                                                                                                                        [ ص: 118 ] 9891 - وقوله ، صلى الله عليه وسلم : " التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء " في بابه من هذا الكتاب .

                                                                                                                        9892 - وفيه أن إشارة المصلي برأسه وبيده لا بأس بها .

                                                                                                                        9893 - وأما قولها : فقمت حتى تجلاني الغشي . بمعنى أنها قامت حتى غشي عليها .

                                                                                                                        9894 - وفي ذلك دليل على طول القيام في صلاة الكسوف .

                                                                                                                        9895 - وأما قوله : فحمد الله وأثنى عليه ، فذلك كان بعد الفراغ من الصلاة .

                                                                                                                        9896 - وقد تقدم في الباب قبل هذا اختلاف الفقهاء في الخطبة بعد صلاة الكسوف .

                                                                                                                        9897 - ومضى القول في رؤيته للجنة والنار بما يغني عن إعادته .

                                                                                                                        9898 - وأما قوله : إنكم تفتنون في قبوركم ، فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فالآثار بذلك متواترة ، وأهل السنة والجماعة - وهم أهل الحديث والرأي في أحكام شرائع الإسلام - كلهم مجمعون على الإيمان والتصديق بذلك ، إلا أنهم لا يتكلفون فيه شيئا ، ولا ينكره إلا أهل البدع .

                                                                                                                        9899 - روى شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن [ ص: 119 ] عازب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الأخرة " [ إبراهيم : 27 ] ، قال في القبر إذا سئل : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ .

                                                                                                                        9900 - ورواه الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء موقوفا .

                                                                                                                        9901 - وفي الحديث الطويل حديث الأعمش ، ويونس بن جناب ، عن ابن عمر ، وعن زاذان ، عن البراء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة المؤمن : من يعاد روحه إلى جسده وأنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ، ويدخل عليه ملكان فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : الإسلام ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : وأي رجل ؟ فيقولان : محمد . فيقول : أشهد أنه رسول الله ، فينهرانه ويقولان له : ما يدريك ؟ فيقول : إني قرأت كتاب الله فصدقت به وآمنت . قال : فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، وذلك قول الله ، عز وجل : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " [ إبراهيم : 27 ] وذكر الحديث .

                                                                                                                        9902 - وفيه في المنافق فينهرانه انتهارا شديدا ويقولان : من ربك ؟ وما دينك ؟ [ ص: 120 ] ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري . فيقولان : لا دريت ولا تليت وساق تمام الخبر .

                                                                                                                        9903 - وقد ذكرناه في " التمهيد " إلى آثار ثابتة صحاح وردت بمعناه والآثار الواردة أيضا بأن اليهود تعذب في قبورها .

                                                                                                                        9904 - كل ذلك ذكرناه هناك وأوضحنا الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر ، وأن الفتنة للمؤمن والعذاب للمنافق والكافر وأوردنا فيه من الآثار ما بان به ذلك . والحمد لله .

                                                                                                                        [ ص: 121 ] [ ص: 122 ] 9905 - وللفتنة وجوه في اللغة مذكورة هناك أيضا .

                                                                                                                        9906 - وفي قوله في حديث مالك مثل أو قرب من فتنة الدجال على أنهم كانوا يراعون الألفاظ في الحديث المسند ، وقد أفردنا لهذا المعنى بابا في كتاب " بيان العلم " وفضله وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك .

                                                                                                                        9907 - وأما مالك فكان لا يجيز الإخبار بالمعاني في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قدر على الإتيان بالألفاظ .

                                                                                                                        9908 - روى الحارث بن مسكين ، عن يوسف بن عمرو ، عن ابن وهب ، قال : سمعت مالكا سئل عن المسائل إذا كان المعنى واحدا والكلام مختلفا ، فقال : لا بأس به إلا الأحاديث التي عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        9909 - وأما قوله ، وأما المنافق والمرتاب فإنما هو شك من المحدث .

                                                                                                                        [ ص: 123 ] 9910 - وكذلك قالت فاطمة بنت المنذر : لا أدري أي ذلك قالت أسماء .

                                                                                                                        9911 - والمنافق كافر أظهر الإيمان ، واعتقد الكفر ، والمرتاب : الشاك .




                                                                                                                        الخدمات العلمية