الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يقطع في طنبور ولا مزمار ولا خمر ولا خنزير " . قال الماوردي : أما الكلب والخنزير والخمر : فلا قيمة على متلفه ، ولا قطع على سارقه : لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله حرم الخنزير ، وحرم ثمنه ، وحرم الكلب ، وحرم ثمنه ، وإن الله إذا حرم على قوم شيئا حرم عليهم ثمنه . [ ص: 351 ] فأما الطنبور والمزمار وسائر الملاهي : فاستعمالها محظور ، وكذلك اقتناؤها . فإن سرقها من حرز ، لم يخل حالها من أن تكون مفصلة أو غير مفصلة . فإن كانت مفصلة قد زال عنها اسم الملاهي وبطل استعمالها في اللهو ، فيقطع سارقها إذا بلغ قيمتها نصابا . وقال أبو حنيفة : لا يقطع : لأنها آلة لما لا قطع فيه . وهذا فاسد : لأن ما زالت عنه المعصية زال عنه حكمها ، كالخمر إذا صار خلا . وإن كانت غير مفصلة وهي على حال ما يستعمل في اللهو من سائر الملاهي ، ولم يخل أن يكون عليه ذهب وفضة أم لا . فإن كان عليها ذهب وفضة قطع سارقها : لأن الذهب والفضة زينة للملاهي ، فصار مقصودا ومتبوعا . وقال أبو حنيفة : لا يقطع فيه . بناء على أصله في سرقة ما يوجب القطع ، إذا ضم إليه ما لا يجب فيه القطع ، سقط القطع في الجميع . وقد مضى الكلام معه في هذا الأصل إذا سرق إناء من ذهب فيه خمر ، قطع عندنا ، ولم يقطع عنده . وإن لم يكن على الملاهي ذهب ولا فضة فضربان : أحدهما : أن لا يصلح به بعد تفصيله لغير الملاهي ، فلا قيمة على متلفه ، ولا قطع على سارقه . والضرب الثاني : أن يصلح بعد التفصيل لغير الملاهي ، فعلى متلفه قيمته مفصلا ، وفي وجوب قطع سارقه وجهان : أحدهما : وهو اختيار أبي علي بن أبي هريرة لا قطع فيه : لأن التوصل إلى إزالة المعصية منه مندوب إليه ، فصار شبهة في سقوط القطع فيه . والوجه الثاني : وهو اختيار أبي حامد الإسفراييني : يجب فيه القطع اعتبارا بقيمته بعد التفصيل ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية