الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
طبقات غير المنتسبين إلى العلم وبيان أحوالهم وآفاتهم

وأما من لم يكن منتسبا إلى العلم، فهو إما عامي صرف، لا يعرف التقليد ولا غيره، وإنما هو ينتمي إلى الإسلام جملة، ويفعل كما يفعله أهل بلده في صلاته وسائر عباداته ومعاملاته، فهذا قد أراح نفسه من محنة التعصب التي يقع فيها المقلدون، وكفى الله أهل العلم شره، فهو لا وازع له من نفسه يحمله على التعصب عليهم، بل ربما نفخ فيه بعض شياطين المقلدة، وسعى إليه بعلماء الاجتهاد، فحمله على أن يجهل عليهم بما يوبقه في حياته وبعد مماته .

[ ص: 211 ] وإما أن يكون مرتفعا من هذه الطبقة قليلا، فيكون غير مشتغل بطلب العلم، لكنه يسأل أهل العلم عن أمر عبادته ومعاملته، وله بعض تميز، فهذا هو تبع لمن يسأله من أهل العلم.

إن كان يسأل المقلدين، فهو لا يرى الحق إلا في التقليد، وإن كان يسأل المجتهدين، فهو يعتقد أن الحق ما يرشدونه إليه، فهو مع من غلب عليه من الطائفتين.

وإما أن يكون ممن له اشتغال بطلب علم المقلدين، وإكباب على حفظه وفهمه، ولا يرفع رأسه إلى سواه، ولا يلتفت إلى غيره، فالغالب على هؤلاء التعصب المفرط على علماء الاجتهاد، ورميهم بكل حجر ومدر، وإيهام العامة بأنهم مخالفون لإمام المذهب الذي قد ضاقت أذهانهم عن تصور عظيم قدره، وامتلأت قلوبهم من هيبة من تقرر عندهم أنه في درجة لم تبلغها الصحابة، فضلا عمن بعدهم.

وهذا وإن لم يصرحوا به، فهو مما تكن صدورهم، ولا تنطق به ألسنتهم، فمع ما قد صار عندهم من هذا الاعتقاد في ذلك الإمام إذا بلغهم أن أحد علماء الاجتهاد الموجودين يخالفه في مسألة من المسائل، كأن هذا المخالف قد ارتكب أمرا شنيعا، وخالف عندهم شيئا قطعيا، وأخطأ خطأ لا يكفره شيء.

وإن استدل على ما ذهب إليه بالآيات القرآنية، والأحاديث المتواترة، لم يقبل منه ذلك، ولم يرفع لما جاء به رأسا، كائنا من كان.

ولا يزالون منتقصين له بهذه المخالفة انتقاصا شديدا، على وجه لا يستحلونه من الفسقة، ولا من أهل البدع المشهورة; كالخوارج، والروافض، ويبغضونه بغضا شديدا، فوق ما يبغضون أهل الذمة من اليهود والنصارى.

ومن أنكر هذا، فهو غير محقق لأحوال هؤلاء .

وبالجملة: فهو عندهم ضال مضل، ولا ذنب له إلا أنه عمل بكتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، واقتدى بعلماء الإسلام في أن الواجب على كل مسلم [ ص: 212 ] تقديم كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- على قول كل عالم، كائنا من كان .

ومن المصرحين بهذا الأئمة الأربعة ; فإنه قد صح عن كل واحد منهم هذا المعنى من طرق متعددة .

التالي السابق


الخدمات العلمية