nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28977_28802قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين .
استئناف مكرر لأسلوب الاستئناف الذي قبله . ومثار الاستئنافين واحد ولكن الغرض منهما مختلف ، لأن ما قبله يحوم حول الاستدلال بدلالة العقل على إبطال الشرك ، وهذا
[ ص: 159 ] استدلال بدلالة الوحي الذي فيه الأمر باتباع دين الإسلام وما بني عليه اسم الإسلام من صرف الوجه إلى الله ، كما قال في الآية الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فقل أسلمت وجهي لله ، فهذا إبطال لطعنهم في الدين الذي جاء به المسمى بالإسلام ، وشعاره كلمة التوحيد المبطلة للإشراك .
وبني فعل أمرت للمفعول ، لأن فاعل هذا الأمر معلوم بما تكرر من إسناد الوحي إلى الله .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14أول من أسلم أنه أول من يتصف بالإسلام الذي بعثه الله به ، فهو الإسلام الخاص الذي جاء به القرآن ، وهو زائد على ما آمن به الرسل من قبل ، بما فيه من وضوح البيان والسماحة ، فلا ينافي أن بعض الرسل وصفوا بأنهم مسلمون ، كما في قوله تعالى حكاية عن
إبراهيم ويعقوب nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون . وقد تقدم بيان ذلك عند ذكر تلك الآية في سورة البقرة .
ويجوز أن يكون المراد أول من أسلم ممن دعوا إلى الإسلام .
ويجوز أن يكون الأول كناية عن الأقوى والأمكن في الإسلام ، لأن الأول في كل عمل هو الأحرص عليه والأعلق به ، فالأولية تستلزم الحرص والقوة في العمل ، كما حكى الله تعالى عن
موسى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وأنا أول المؤمنين . فإن كونه أولهم معلوم وإنما أراد : أني الآن بعد الصعقة أقوى الناس إيمانا . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341698نحن الآخرون الأولون يوم القيامة . وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41ولا تكونوا أول كافر به في سورة البقرة .
والمقصود من هذا على جميع الوجوه تأييس المشركين من عوده إلى دينهم لأنهم ربما كانوا إذا رأوا منه رحمة بهم ولينا في القول طمعوا في رجوعه إلى دينهم وقالوا إنه دين آبائه .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14ولا تكونن من المشركين عطف على قوله قل ، أي قل لهم ذلك لييأسوا . والكلام نهي من الله لرسوله مقصود منه تأكيد الأمر بالإسلام ، لأن الأمر بالشيء
[ ص: 160 ] يقتضي النهي عن ضده ، فذكر النهي عن الضد بعد ذلك تأكيد له ، وهذا التأكيد لتقطع جرثومة الشرك من هذا الدين .
ومن تبعيضية ، فمعنى من المشركين أي من جملة الذين يشركون ، ويحتمل أن النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=28802الانتماء إلى المشركين ، أي هو أمر بالبراءة منهم فتكون ( من ) اتصالية ويكون المشركين بالمعنى اللقبي ، أي الذين اشتهروا بهذا الاسم ، أي لا يكن منك شيء فيه صلة بالمشركين ، كقول
النابغة :
فإني لست منك ولست مني
والتأييس على هذا الوجه أشد وأقوى .
وقد يؤخذ من هذه الآية استدلال للمأثور عن
الأشعري : أن الإيمان بالله وحده ليس مما يجب بدليل العقل بل تتوقف المؤاخذة به على بعثة الرسول ، لأن الله أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ينكر أن يتخذ غير الله وليا لأنه فاطر السماوات والأرض ، ثم أمره أن يقول
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14إني أمرت أن أكون أول من أسلم ثم أمره بما يدل على المؤاخذة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=15إني أخاف إن عصيت ربي إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=16فقد رحمه .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28977_28802قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
اسْتِئْنَافٌ مُكَرَّرٌ لِأُسْلُوبِ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي قَبْلَهُ . وَمَثَارُ الِاسْتِئْنَافَيْنِ وَاحِدٌ وَلَكِنَّ الْغَرَضَ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَحُومُ حَوْلَ الِاسْتِدْلَالِ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى إِبْطَالِ الشِّرْكِ ، وَهَذَا
[ ص: 159 ] اسْتِدْلَالٌ بِدَلَالَةِ الْوَحْيِ الَّذِي فِيهِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِسْلَامِ مِنْ صَرْفِ الْوَجْهِ إِلَى اللَّهِ ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ، فَهَذَا إِبْطَالٌ لِطَعْنِهِمْ فِي الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِسْلَامِ ، وَشِعَارُهُ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ الْمُبْطِلَةُ لِلْإِشْرَاكِ .
وَبُنِيَ فِعْلُ أُمِرْتُ لِلْمَفْعُولِ ، لِأَنَّ فَاعِلَ هَذَا الْأَمْرِ مَعْلُومٌ بِمَا تَكَرَّرَ مِنْ إِسْنَادِ الْوَحْيِ إِلَى اللَّهِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يَتَّصِفُ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ ، فَهُوَ الْإِسْلَامُ الْخَاصُّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا آمَنَ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلُ ، بِمَا فِيهِ مِنْ وُضُوحِ الْبَيَانِ وَالسَّمَاحَةِ ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَ الرُّسُلِ وُصِفُوا بِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ تِلْكَ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِمَّنْ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كِنَايَةً عَنِ الْأَقْوَى وَالْأَمْكَنِ فِي الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي كُلِّ عَمَلٍ هُوَ الْأَحْرَصُ عَلَيْهِ وَالْأَعْلَقُ بِهِ ، فَالْأَوَّلِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ الْحِرْصَ وَالْقُوَّةَ فِي الْعَمَلِ ، كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ
مُوسَى قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . فَإِنَّ كَوْنَهُ أَوَّلَهُمْ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ : أَنِّي الْآنَ بَعْدَ الصَّعْقَةِ أَقْوَى النَّاسِ إِيمَانًا . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341698نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ تَأْيِيسُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَوْدِهِ إِلَى دِينِهِمْ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا إِذَا رَأَوْا مِنْهُ رَحْمَةً بِهِمْ وَلِينًا فِي الْقَوْلِ طَمِعُوا فِي رُجُوعِهِ إِلَى دِينِهِمْ وَقَالُوا إِنَّهُ دِينُ آبَائِهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ قُلْ ، أَيْ قُلْ لَهُمْ ذَلِكَ لِيَيْأَسُوا . وَالْكَلَامُ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ مَقْصُودٌ مِنْهُ تَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالْإِسْلَامِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ
[ ص: 160 ] يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ ، فَذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ بَعْدَ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لَهُ ، وَهَذَا التَّأْكِيدُ لِتُقْطَعَ جُرْثُومَةُ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الدِّينِ .
وَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ ، فَمَعْنَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28802الِانْتِمَاءِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، أَيْ هُوَ أَمْرٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ فَتَكُونُ ( مِنْ ) اتِّصَالِيَّةً وَيَكُونُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَعْنَى اللَّقَبِيِّ ، أَيِ الَّذِينَ اشْتَهَرُوا بِهَذَا الِاسْمِ ، أَيْ لَا يَكُنْ مِنْكَ شَيْءٌ فِيهِ صِلَةٌ بِالْمُشْرِكِينَ ، كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ :
فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
وَالتَّأْيِيسُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَدُّ وَأَقْوَى .
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِدْلَالٌ لِلْمَأْثُورِ عَنِ
الْأَشْعَرِيِّ : أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَيْسَ مِمَّا يَجِبُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ بَلْ تَتَوَقَّفُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ عَلَى بَعْثَةِ الرَّسُولِ ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْكِرَ أَنْ يَتَّخِذَ غَيْرَ اللَّهِ وَلِيًّا لِأَنَّهُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=15إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=16فَقَدْ رَحِمَهُ .