الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الطاغوت " .

فقال بعضهم : هو الشيطان . [ ص: 417 ]

ذكر من قال ذلك :

5834 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد العبسي قال : قال عمر بن الخطاب : الطاغوت : الشيطان .

5835 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثني ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر مثله .

5836 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عمن حدثه ، عن مجاهد قال : الطاغوت : الشيطان .

5837 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا زكريا ، عن الشعبي قال : الطاغوت : الشيطان .

5838 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فمن يكفر بالطاغوت " قال : الشيطان .

5839 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة الطاغوت : الشيطان .

5840 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فمن يكفر بالطاغوت " بالشيطان .

وقال آخرون : الطاغوت : هو الساحر .

ذكر من قال ذلك :

5841 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، [ ص: 418 ] عن أبي العالية ، أنه قال : الطاغوت : الساحر .

وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية ، وأنا ذاكر الخلاف بعد .

5842 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا عوف ، عن محمد قال : الطاغوت : الساحر .

وقال آخرون : بل " الطاغوت " هو الكاهن .

ذكر من قال ذلك :

5843 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : الطاغوت : الكاهن .

5844 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن رفيع قال : الطاغوت : الكاهن .

5845 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فمن يكفر بالطاغوت " قال : كهان تنزل عليها شياطين ، يلقون على ألسنتهم وقلوبهم . أخبرني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سمعه يقول : - وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال - : كان في جهينة واحد ، وفي أسلم واحد ، وفي كل حي واحد ، وهي كهان ينزل عليها الشيطان . [ ص: 419 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في " الطاغوت " أنه كل ذي طغيان على الله ، فعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده ، وإما بطاعة ممن عبده له ، وإنسانا كان ذلك المعبود ، أو شيطانا ، أو وثنا ، أو صنما ، أو كائنا ما كان من شيء .

وأرى أن أصل " الطاغوت " " الطغووت " من قول القائل : " طغا فلان يطغو " إذا عدا قدره ، فتجاوز حده ، ك " الجبروت " " من التجبر "و " الخلبوت " من " الخلب " . ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير " فعلوت " بزيادة الواو والتاء . ثم نقلت لامه - أعني لام " الطغووت " فجعلت له عينا ، وحولت عينه فجعلت مكان لامه ، كما قيل : " جذب وجبذ " " وجاذب وجابذ " " وصاعقة وصاقعة " وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال .

فتأويل الكلام إذا : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله ، فيكفر به " ويؤمن بالله " يقول : ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده " فقد استمسك بالعروة الوثقى " يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه كما : -

5846 - حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا ابن أبي مريم ، عن حميد بن عقبة ، عن أبي الدرداء : أنه عاد مريضا من جيرته ، فوجده في السوق وهو يغرغر ، لا يفقهون ما يريد . [ ص: 420 ]

فسألهم : يريد أن ينطق ؟ قالوا : نعم يريد أن يقول : " آمنت بالله وكفرت بالطاغوت " . قال أبو الدرداء : وما علمكم بذلك ؟ قالوا : لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه ، فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها . فقال أبو الدرداء : أفلح صاحبكم ! إن الله يقول : " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية