الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وأما الحرفية فستة :

الأول : النافية ، ولها صدر الكلام . وقد تدخل على الأسماء والأفعال ، ففي الأسماء كليس ترفع وتنصب في لغة أهل الحجاز ، ووقع في القرآن في ثلاث مواضع . قال تعالى : ما هذا بشرا ( يوسف : 31 ) . وقوله تعالى : ما هن أمهاتهم ( المجادلة : 2 ) على قراءة كسر التاء . وقوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين ( الحاقة : 47 ) . وعلى الأفعال فلا تعمل ، وتدخل على الماضي بمعنى " لم " نحو : ما خرج ، أي لم يخرج . وقوله تعالى :فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ( البقرة : 16 ) .

وعلى المضارع لنفي الحال ، بمعنى لا ، نحو ما يخرج زيد ، أي لا يخرج ، نفيت أن يكون منه خروج في الحال .

[ ص: 348 ] ومنهم من يسميه جحدا ، وأنكره بعضهم . وسبق الفرق بين الجحد والنفي في الكلام على قاعدة المنفي .

وقال ابن الحاجب : هي لنفي الحال في اللغتين الحجازية والتميمية ، نحو : ما زيد منطلقا ومنطلق ، ولهذا جعلها سيبويه في النفي جوابا لـ " قد " في الإثبات ، ولا ريب أن " قد " للتقريب من الحال ، فلذلك جعل جوابا لها في النفي .

قال : ويجوز أن تستعمل للنفي في الماضي والمستقبل عند قيام القرائن ، قال تعالى حكاية عن الكفار : وما نحن بمنشرين ( الدخان : 35 ) وما نحن بمبعوثين ( الأنعام : 29 ) .

وفي الماضي ، نحو : ما جاءنا من بشير ولا نذير ( المائدة : 19 ) فإنه ورد للتعليل على معنى كراهة أن يقولوا عند إقامة الحجة عليهم : ما جاءنا في الدنيا من بشير ولا نذير ، وهذا للماضي المحقق ، وأمثال ذلك كثير .

قال : ثم إن سيبويه جعل فيها معنى التوكيد ، لأنها جرت موضع " قد " في النفي ، فكما أن " قد " فيها معنى التأكيد ، فكذلك ما جعل جوابا لها .

وهنا ضابط ، وهو إذا ما أتت بعدها " إلا " في القرآن ، فهي من نفي إلا في ثلاثة عشر موضعا .

أولها : في البقرة قوله تعالى : مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ( الآية : 229 ) .

الثاني : فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون ( البقرة : 237 ) .

الثالث : في النساء قوله : لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين ( الآية : 19 ) .

الرابع : ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( النساء : 22 ) .

الخامس : في المائدة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ( الآية : 3 ) .

[ ص: 349 ] السادس : في الأنعام ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا ( الآية : 8 ) .

السابع : وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ( الأنعام : 119 ) .

الثامن والتاسع : في هود ما دامت السماوات والأرض إلا ( الآية : 107 - 108 ) في موضعين ، أحدهما في ذكر أهل النار ، والثاني في ذكر أهل الجنة .

العاشر والحادي عشر : في يوسف فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا ( الآية : 47 ) وفيها ما قدمتم لهن إلا ( الآية : 48 ) .

الثاني عشر : في الكهف وما يعبدون إلا الله ( الآية : 16 ) على خلاف فيها .

الثالث عشر : وما بينهما إلا بالحق ( الحجر : 85 ) حيث كان .

والثاني : المصدرية وهي قسمان : وقتية وغير وقتية .

فالوقتية هي التي تقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان ، كقوله تعالى : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( هود : 107 ) وقوله : إلا ما دمت عليه قائما ( آل عمران : 75 ) و ما دمتم حرما ( المائدة : 96 ) أي مدة دوام السماوات والأرض ، ووقت دوام قيامكم وإحرامكم ، وتسمى ظرفية أيضا .

وغير الوقتية هي التي تقدر مع الفعل ، نحو بلغني ما صنعت ، أي صنعك ، قال تعالى : وبما كانوا يكذبون ( التوبة : 77 ) أي بتكذيبهم ، أو بكذبهم على القرآن .

وقوله : ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( التوبة : 118 ) وقوله : كما آمن الناس ( البقرة : 13 ) و كما أرسلنا فيكم رسولا ( البقرة : 151 ) و بئسما اشتروا ( البقرة : 90 ) أي كإيمان الناس ، وكإرسال الرسل ، وبئس اشتراؤهم . وكلما أتت بعد كاف التشبيه أو بئس فهي مصدرية على خلاف فيه .

[ ص: 350 ] وصاحب " الكتاب " يجعلها حرفا ، والأخفش يجعلها اسما ، وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء .

والثالث : الكافة للعامل عن عمله ، وهو [ ما ] يقع بين ناصب ومنصوب ، أو جار ومجرور ، أو رافع ومرفوع .

فالأول : كقوله تعالى : إنما الله إله واحد ( النساء : 171 ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( فاطر : 28 ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( آل عمران : 178 ) .

والثاني : كقوله : ربما رجل أكرمته ، وقوله تعالى : ربما يود الذين كفروا ( الحجر : 2 ) .

والثالث : كقولك : قلما تقولين ، وطالما تشتكين .

والرابع : المسلطة وهي التي تجعل اللفظ [ متسلطا بالعمل ] بعد أن لم يكن عاملا ، نحو ما في إذما وحيثما ، [ لأنك تقول : إذما أفعل وحيثما أفعل ، فإذ وحيث ] لا يعملان بمجردهما في الشرط ، ويعملان عند دخولها عليهما .

والخامس : أن تكون مغيرة للحرف عن حاله ، كقوله في " لو " لوما ، غيرتها إلى معنى " هلا " ، قال تعالى : لو ما تأتينا ( الحجر : 7 ) .

[ ص: 351 ] والسادس : المؤكد للفظ ويسميه [ بعضهم صلة ] ، وبعضهم زائدة ، والأول أولى ؛ لأنه ليس في القرآن حرف إلا وله معنى . ويتصل بها الاسم والفعل وتقع أبدا حشوا أو آخرا ، ولا تقع ابتداء ، [ لأن الابتداء بها يقتضي العناية بها وهي تنافي زيادتها ] ، وإذا وقعت حشوا فلا تقع إلا بين الشيئين المتلازمين ، وهو مما يؤكد زيادتها لإقحامها بين ما هو كالشيء الواحد .

[ ولا يخلو ذلك من أربعة أحوال : إما أن يقع بين رافع ومرفوع وناصب ومنصوب وجار ومجرور وجازم ومجزوم فالأول . . . . ، ومثال الناصب والمنصوب قوله تعالى ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [ البقرة : 26 ] ومثال الناصب والمنصوب ومثال الجازم والمجزوم ] : أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ( البقرة : 148 ) . أينما تكونوا يدرككم الموت ( النساء : 78 ) ؛ [ فقوله " أين " منصوبة بقوله " يكونوا " وقوله " يكونوا " مجزومة بقوله " أين " وقد وقعت بين الناصب والمنصوب والجازم والمجزوم ] .

وكذا قوله تعالى : فأينما تولوا فثم وجه الله ( البقرة : 115 ) . أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( الإسراء : 110 ) . [ ومثال الجار والمجرور ] فبما رحمة من الله لنت لهم ( آل عمران : 159 ) . فبما نقضهم ميثاقهم ( النساء : 155 ) . عما قليل ( المؤمنون : 40 ) . أيما الأجلين قضيت ( القصص : 28 ) . مما خطيئاتهم ( نوح : 25 ) .

[ فإن قلت : هلا جعلت نكرة غير موصوفة ويكون ذلك أولى من زيادتها ، ويكون " نقضهم " بدلا ، قلت : عدلوا عنه لقلة مجيئها نكرة غير موصوفة ] . وجعل منه سيبويه في باب الحروف الخمسة قوله تعالى : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) ( الطارق : 4 ) قال : إنما هي لعليها فجعلها زائدة .

[ ص: 352 ] وأجاز الفارسي زيادة اللام ، والمعنى : إن كل نفس ما عليها حافظ .

ثم قال سيبويه : وقال تعالى : ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) ( يس : 32 ) إنما هو لجميع و " ما " لغو .

قال الصفار : والذي دعاه إلى أن يجعلها لغوا ولم يجعلها موصولا ، لأن بعدها مفردا ، فيكون من باب : تماما على الذي أحسن ( الأنعام : 154 ) . فإن قيل : فهلا جعلها في لما عليها حافظ موصولة لأن بعدها الظرف ؟ قلنا : منع من ذلك وقوع " ما " على آحاد من يعقل ، ألا ترى كل نفس ! وهذا يمنع في الآيتين من الصلة . انتهى ، وكان ينبغي أن يتجنب عبارة اللغو .

التالي السابق


الخدمات العلمية