الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 105 ] ( فصل في الغسل ) ( وإذا ما أرادوا غسله [ ص: 106 ] وضعوه على سرير ) لينصب الماء عنه ( وجعلوا على عورته خرقة ) إقامة لواجب الستر ، ويكتفي بستر العورة الغليظة [ ص: 107 ] هو الصحيح تيسيرا ( ونزعوا ثيابه ) ليمكنهم التنظيف .

التالي السابق


( فصل في الغسل ) غسل الميت فرض بالإجماع إذا لم يكن الميت خنثى مشكلا فإنه مختلف فيه : قيل ييمم ، وقيل يغسل في ثيابه والأول أولى . وسند الإجماع في السنة : قيل ونوع من المعنى . أما السنة فما روى الحاكم في المستدرك من طريق ابن إسحاق عن محمد بن ذكوان عن الحسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آدم رجلا أشعر طوالا كأنه نخلة سحوق فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة } فلما مات عليه السلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا وجعلوا في الثالثة كافورا ، وكفنوه في وتر من الثياب ، وحفروا له لحدا وصلوا عليه وقالوا : هذه سنة ولد آدم من بعده وسكت عنه ، ثم أخرجه الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب مرفوعا نحوه ، وفيه قالوا { يا بني آدم هذه سنتكم من بعده فكذاكم فافعلوا } وقال صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ; لأن عتي بن ضمرة ليس له راو غير الحسن .

وحديث ابن عباس في الذي وقصته [ ص: 106 ] راحلته في الصحيحين . وفيه { اغسلوه بماء وسدر } الحديث . وحديث أم عطية أنه عليه السلام قال لهن في ابنته { اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا } رواه الجماعة . وقد غسل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعده والناس يتوارثونه ، ولم يعرف تركه إلا في الشهيد . وما في الكافي عنه عليه السلام { للمسلم على المسلم ثمانية حقوق } وذكر منها غسل الميت ، والله أعلم به . والذي في الصحيحين عنه عليه السلام { حق المسلم على المسلم خمس رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنازة ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس } وفي لفظ لهما { خمس تجب للمسلم على أخيه } وفي لفظ لمسلم { حق المسلم على المسلم ست } فزاد { وإذا استنصحك فانصح له } .

ثم عقل أهل الإجماع أن إيجابه لقضاء حقه فكان على الكفاية لصيرورة حقه مقضيا بفعل البعض . وأما المعنى ; فلأنه كإمام القوم حتى لا تصح هذه الصلاة بدونه ، وطهارة الإمام شرط فكذا طهارته فهو فرع ثبوت وجوب غسله سمعا فليس هو معنى مستقلا بالنظر إلى نفسه في إفادة وجوب الغسل . هذا واختلف في سبب وجوبه قيل ليس لنجاسة تحل بالموت بل للحدث ; لأن الموت سبب للاسترخاء وزوال العقل ، وهو القياس في الحي ، وإنما اقتصر على الأعضاء الأربعة فيه للحرج لكثرة تكرر سبب الحدث منه .

فلما لم يلزم سبب الحرج في الميت عاد الأصل ; ولأن نجاسة الحدث تزول بالغسل لا نجاسة الموت لقيام موجبها بعده . وقيل وهو الأقيس سببه نجاسة الموت ; لأن الآدمي حيوان دموي فيتنجس بالموت كسائر الحيوان ، ولذا لو حمل ميتا قبل غسله لا تصح صلاته ، ولو كان للحدث لصحت كحمل المحدث . غاية ما في الباب أن الآدمي المسلم خص باعتبار نجاسته الموتية زائلة بالغسل تكريما ، بخلاف الكافر فإنه لا يطهر بالغسل ولا تصح صلاة حامله بعده . وقولكم نجاسة الموت لا تزول لقيام موجبها مشترك الإلزام فإن سبب الحدث أيضا قائم بعد الغسل .

وقد روي في حديث أبي هريرة { سبحان الله إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا } فإن صحت وجب ترجيح أنه للحدث . وهل يغسل الكافر إن كان له ولي مسلم ، وهو كل ذي رحم محرم ؟ غسله من غير مراعاة سنة الغسل بل كغسل الثوب النجس وإن لم يكن لا يغسل ، وهل يشترط للغسل النية ؟ . الظاهر أنه يشترط لإسقاط وجوبه عن المكلف لا لتحصيل طهارته هو ، وشرط صحة الصلاة عليه عن أبي يوسف في الميت إذا أصابه المطر أو جرى عليه الماء لا ينوب عن الغسل ; لأنا أمرنا بالغسل . انتهى .

ولأنا لم نقض حقه بعد . وقالوا في الغريق : يغسل ثلاثا في قول أبي يوسف ، وعن محمد في رواية : إن نوى الغسل عند الإخراج من الماء يغسل مرتين ، وإن لم ينو فثلاثا . جعل حركة الإخراج بالنية غسلة ، وعنه يغسل مرة واحدة كأن هذه ذكر فيها القدر الواجب ( قوله : وضعوه على سرير ) قيل طوالا إلى القبلة ، وقيل عرضا . قال السرخسي : الأصح كيفما تيسر ( قوله : ووضعوا على عورته خرقة ) ; لأن العورة لا يسقط حكمها بالموت ، قال عليه السلام لعلي { لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت } ولذا لا يجوز تغسيل الرجل المرأة وبالعكس ، وكذا [ ص: 107 ] يجب على الغاسل في استنجاء الميت على قول أبي حنيفة ومحمد أن يلف على يده خرقة ليغسل سوءته ، وكذا على الرجال إذا ماتت المرأة ولا امرأة تغسلها أن ييممها رجل ويلف على يده خرقة لذلك ، ولا يستنجى الميت عند أبي يوسف ( قوله : هو الصحيح ) احترازا عن رواية النوادر أنه يستر من سرته إلى ركبته ، وصححها في النهاية لحديث علي المذكور آنفا ( وقوله ونزعوا عنه ثيابه ) وعند الشافعي : السنة أن يغسل في قميص واسع الكمين أو يشرط كماه ; لأنه عليه الصلاة والسلام غسل في قميصه .

قلنا : ذاك خصوصية له عليه السلام بدليل ما روي أنهم قالوا نجرده كما نجرد موتانا أم نغسله في ثيابه ؟ فسمعوا هاتفا يقول : لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية : اغسلوه في قميصه الذي مات فيه ، فهذا يدل على أن عادتهم المستمرة في زمنه صلى الله عليه وسلم التجريد ; ولأنه يتنجس بما يخرج منه ويتنجس الميت به ويشيع بصب الماء عليه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه لم يخرج منه إلا طيب ، فقال علي رضي الله عنه : طبت حيا وميتا .




الخدمات العلمية