الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 356 ] 67 - فصل

                          [ هل تؤخذ العشور المضروبة على الذمي من الخمر والخنزير ؟ ]

                          واختلفت الرواية عن أحمد في الذمي يمر على العاشر بخمر أو خنزير ، فقال في موضع : قال عمر : ولوهم بيعها لا يكون إلا على الآخذ منها ، يعني : من ثمنها ، وقد ذكرنا نصه في الجزية وقول عمر .

                          ووافقه على ذلك مسروق والنخعي ومالك وأبو حنيفة ومحمد في الخمر خاصة .

                          وذكر القاضي : أن أحمد نص على أنه لا يؤخذ منها شيء وقد ذكرنا ذلك وأن المسألة رواية واحدة ، وأن أحمد إنما منع الأخذ من أعيانها لا من أثمانها ، وهو الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز : الخمر لا يعشرها مسلم ، وهو الذي أنكره عمر بن الخطاب على عتبة بن فرقد حين بعث إليه بأربعين ألف درهم صدقة الخمر ، فكتب إليه عمر : بعثت إلي بصدقة الخمر ، وأنت أحق بها من المهاجرين ، والله لا استعملتك على شيء بعدها ، فنزعه .

                          قال أبو عبيد : ومعنى قول عمر : " ولوهم بيعها ، وخذوا أنتم من [ ص: 357 ] الثمن " : إن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير من جزيتهم وخراج أرضهم بقيمتها ، ثم يتولى المسلمون بيعها فأنكره عمر ، ثم رخص لهم أن يأخذوا من أثمانها إذا كان أهل الذمة هم المتولين بيعها ; لأن الخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة ولا تكون مالا للمسلمين .

                          وذكر حديث سويد بن غفلة أن بلالا قال لعمر : إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج ، فقال : لا تأخذوها منهم ، ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن .

                          قال أصحابنا : ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير منهم عن جزية رءوسهم وخراج أرضهم احتجاجا بقول عمر هذا ; ولأنها من أموالهم التي نقرهم على اقتنائها والتصرف فيها ، فجاز أخذ أثمانها منهم كأثمان ثيابهم .

                          قلت : ولو بذلوها في ثمن مبيع أو إجارة أو قرض أو ضمان أو بدل متلف جاز للمسلم أخذها وطابت له .

                          قالوا : وإذا مر الذمي بالعاشر وعليه دين بقدر ما معه أو ينقص عن النصاب ، فظاهر كلام أحمد أن ذلك يمنع أخذ نصف العشر منه ; لأنه حق يعيد له مال النصاب والحول ، فيمنعه الدين كالزكاة ، ولا يقبل قوله إلا ببينة من المسلمين .

                          وإن مر بجارية فادعى أنها ابنته أو أخته ففيه روايتان :

                          [ ص: 358 ] إحداهما : يقبل قوله ; لأن الأصل عدم ملكه فيها .

                          والثانية : لا يقبل إلا ببينة لأنها في يده فأشبهت بهيمته .

                          قال أبو الحارث : كتبت إلى أبي عبد الله و سألته فقلت : نصراني مر بعشار ومعه جارية ، فقال : ابنتي أو أهلي ؟ قال : يصدقه ولا يصدقه في أن يقول : علي دين .

                          وقال يعقوب بن بختان : قال أبو عبد الله في الذمي يمر بالعشار فيقول : علي دين ، قال : لا يقبل منه ، قيل : فإن كان معه جارية فقال : هي أهلي أو أختي ؟ قال : هو واحد .

                          قال الخلال : أشبه القولين لأبي عبد الله ما قال أبو الحارث : يصدقه في الجارية ولا يصدقه في الدين ، وعلى هذا العمل من قوله .

                          قلت : والفرق بينهما أن الأصل عدم الدين والأصل عدم الملك في الجارية ، وبالله التوفيق .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية