الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8669 ) فصل : وإن ارتد المدبر ، ولحق بدار الحرب ، لم يبطل تدبيره ; لأن ملك سيده باق عليه ، ويصح تصرفه فيه بالعتق والهبة والبيع ، إن كان مقدورا عليه ، فإن سباه المسلمون ، لم يملكوه ; لأنه مملوك لمعصوم ، ويرد إلى سيده ، إن علم به قبل قسمه ، ويستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، وإن لم يعلم به حتى قسم ، لم يرد إلى سيده . في إحدى الروايتين . والأخرى إن اختار سيده أخذه بالثمن الذي حسب به على آخذه ، أخذه ، وإن لم يختر أخذه ، بطل تدبيره . ومتى عاد إلى سيده بوجه من الوجوه ، عاد تدبيره ، وإن لم يعد إلى سيده ، بطل تدبيره ، كما لو بيع ، وكان رقيقا لمن هو في يده .

                                                                                                                                            وإن مات سيده قبل سبيه ، عتق ، فإن سبي بعد هذا ، لم يرد إلى ورثة سيده ; لأن ملكه زال عنه [ ص: 323 ] بحريته ، فصار كأحرار دار الحرب ، ولكن يستتاب ، فإن تاب وأسلم ، صار رقيقا ، يقسم بين الغانمين ، وإن لم يتب ، قتل ، ولم يجز استرقاقه ; لأنه لا يجوز إقراره على كفره . وقال القاضي : لا يجوز استرقاقه إذا أسلم . وهو قول الشافعي ; لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم الذي أعتقه .

                                                                                                                                            ولنا ، أن هذا لا يمنع قتله ، وإذهاب نفسه وولائه ، فلأن لا يمنع تملكه أولى ، ولأن المملوك الذي لم يعتقه سيده ، يثبت الملك فيه للغانمين إذا لم يعرف مالكه بعينه ، ويثبت فيه إذا قسم قبل العلم بمالكه ، والملك آكد من الولاء ، فلأن يثبت مع الولاء وحده أولى . فعلى هذا ، لو كان المدبر ذميا ، فلحق بدار الحرب ، ثم مات سيده ، أو أعتقه ، ثم قدر عليه المسلمون فسبوه ، ملكوه ، وقسموه .

                                                                                                                                            وعلى قول القاضي ، ومذهب الشافعي ، لا يملكونه ، فإن كان سيده ذميا ، جاز استرقاقه في قول القاضي . ولأصحاب الشافعي في استرقاقه وجهان : أحدهما ، يجوز . وهذا حجة عليهم ; لأن عصمة مال الذمي ، كعصمة مال المسلم ، بدليل قطع سارقه ، سواء كان مسلما أو ذميا ، ووجوب ضمانه ، وتحريم تملك ماله ، إذا أخذه الكفار ، ثم قدر عليه المسلمون ، فأدركه صاحبه قبل القسمة . قال القاضي : الفرق بينهما ، أن سيده هاهنا لو لحق بدار الحرب ، جاز تملكه ، فجاز تملك عتقه ، بخلاف المسلم . قلنا : إنما جاز استرقاق سيده ، لزوال عصمته ، وذهاب عاصمه ، وهو ذمته وعهده ، وأما إذا ارتد مدبره ، فإن عصمة ولائه ثابتة بعصمة من له ولاؤه ، وهو والمسلم في ذلك سواء ، فإذا جاز إبطال ولاء أحدهما ، جاز في الآخر مثله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية