الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8690 ) فصل : فأما سائر جناياته ، غير قتل سيده ، فلا تبطل تدبيره ، لكن إن كانت جناية موجبة للمال ، أو موجبة للقصاص ، فعفا الولي إلى مال ، تعلق المال برقبته ، فمن جوز بيعه ، جعل سيده بالخيار بين تسليمه فيباع في الجناية ، وبين فدائه ، فإن سلمه في الجناية فبيع فيها ، بطل تدبيره ، وإن عاد إلى سيده ، عاد تدبيره ، وإن اختار فداءه ، وفداه بما يفدى به العبد ، فهو مدبر بحاله . ومن لم يجز بيعه ، عين فداءه على سيده ، كأم الولد .

                                                                                                                                            وإن كانت الجناية موجبة للقصاص ، فاقتص منه في النفس ، بطل تدبيره ، وإن اقتص منه في الطرف ، فهو مدبر بحاله . وإذا [ ص: 331 ] مات سيده بعد جنايته ، وقبل استيفائها ، عتق ، على كل حال ، سواء كانت موجبة للمال أو القصاص ; لأن صفة العتق وجدت فيه ، فأشبه ما لو باشره به . فإن كان الواجب قصاصا ، استوفي ، سواء كانت جنايته على عبد أو حر ; لأن القصاص قد استقر وجوبه عليه في حال رقه ، فلا يسقط بحدوث الحرية فيه . وإن كان الواجب عليه مالا في رقبته ، فدي بأقل الأمرين ; من قيمته ، أو أرش جنايته .

                                                                                                                                            وإن جني على المدبر ، فأرش الجناية لسيده ; فإن كانت الجناية على نفسه ، وجبت قيمته لسيده ، وبطل التدبير بهلاكه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا جعلتم قيمته قائمة مقامه ، كالعبد المرهون والموقوف إذا جني عليه . قلنا : الفرق بينهما من ثلاثة أوجه ; أحدها ، أن كل واحد من الوقف والرهن لازم ، فتعلق الحق ببدله ، والتدبير غير لازم ; لأنه يمكن إبطاله بالبيع وغيره ، فلم يتعلق الحق ببدله . الثاني ، أن الحق في التدبير للمدبر ، فبطل حقه بفوات مستحقه ، والبدل لا يقوم مقامه في الاستحقاق ، والحق في الوقف للموقوف عليه ، وفي الرهن للمرتهن ، وهو باق ، فيثبت حقه في بدل محل حقه .

                                                                                                                                            الثالث ، أن المدبر إنما ثبت حقه بوجود موت سيده ، فإذا هلك قبل سيده ، فقد هلك قبل ثبوت الحق له ، فلم يكن له بدل ، بخلاف الرهن والوقف ، فإن الحق ثابت فيهما ، فقام بدلهما مقامهما ، وبين الرهن والمدبر فرق رابع ، وهو أن الواجب القيمة ، ولا يمكن وجود التدبير فيها ، ولا قيامها مقام المدبر فيه ، وإن أخذ عبدا مكانه ، فليس هو البدل ، إنما هو بدل القيمة ، بخلاف الرهن ; فإن القيمة يجوز أن تكون رهنا ، فإن قيل : فهذا يلزم عليه الموقوف ، فإنه إذا قتل ، أخذت قيمته ، فاشتري بها عبد يكون وقفا مكانه . قلنا : قد حصل الفرق بين المدبر والرهن من الوجوه الثلاثة ، وكونه لا يحصل الفرق بينه وبين الوقف من هذا الوجه ، لا يمنع أن يحصل الفرق بينه وبين الرهن به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية