الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الحوالة

( قال - رحمه الله - ) ذكر عن شريح - رحمه الله - أنه قال في الحوالة : إذا أفلس فلا توى على مال امرئ مسلم يريد به أن مال الطالب يعود فدليلهما أن بمجرد الإفلاس تبطل الحوالة . قال : وقال أبو حنيفة - رحمه الله - : إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فأحاله بها فقد برئ الأول منهما . وقد بينا اختلاف العلماء - رحمهم الله - فيه ووجه الفرق بين الكفالة والحوالة ( ففي الكتاب ) [ ص: 53 ] أشار إلى حروف فإنك لا تكتب : ذكر حق فلان بن فلان أن له على فلان ألف درهم وقد أحاله بها على فلان . فإن هذا لا يحسن في الكتاب ولا في الكلام ، وكيف يكون عليه وقد حولها عنه إلى غيره ويحسن في الضمان أن يقول : لفلان على فلان ألف درهم وقد ضمنها عنه فلان ( ثم وجوه التوى ) قد بيناها فيما سبق .

( والجواب ) بين الأجانب والأقارب في جميع أصناف الديون من التجارات والمهر والجنايات وغير ذلك جائز ; لأنه تحويل الحق من الذمة الأولى إلى الذمة الثانية فيستدعي وجوب الحق في الذمة الأولى ; ليصح التحويل . ولو أن المحتال عليه أحاله بالمال على غيره ; كان جائزا ; لأنه لما تحول المال إليه بالحوالة التحق بما كان واجبا عليه في الأصل وكما يصح التحويل من الذمة الأولى إلى ذمته ; يصح التحويل من ذمته إلى ذمة أخرى بالحوالة وليس للمحتال عليه أن يأخذ الأصيل بالمال قبل أن يؤديه ولكن يعامله بحسب ما يعامل به من الملازمة والحبس كما بيناه في فصل الكفيل ( وفي هذا نوع إشكال ) فإن في الكفالة مطالبة الطالب على الأصيل باقية ، فلا تتوجه عليه مطالبة الكفيل ما لم يؤد ، وبعد الحوالة لا تبقى مطالبة المال على الأصيل فينبغي أن تتوجه عليه مطالبة المحتال عليه كالوكيل بالشراء يطالب الموكل قبل أن يؤدي .

ولكنا نقول : ما سقطت مطالبة الطالب عن المحيل على الثبات بل يؤخر ذلك على المحتال عليه مفلسا ، فكان من هذا الوجه بمعنى التأجيل . أو لما كانت المطالبة بغرض أن يتوجه عليه جعل كالمتوجه في الحال بمعنى الكفالة من هذا الوجه بخلاف الوكيل فإنه ليس للبائع على الموكل مطالبة بالثمن لا في الحال ولا في ثاني الحال بل مطالبته مقصورة على الوكيل فكان للوكيل أن يرجع على الموكل ولو قضى المحيل المحتال عليه المال قبل أن يؤديه فعمل به وربح ; كان ربحه له ; لأنه بنفس الحوالة قد استوجب المحتال عليه على المحيل ولكنه مؤجل لأدائه .

ومن استعجل الدين المؤجل وتصرف فيه وربح ; كان الربح له ; لأنه استربح على ملك صحيح

التالي السابق


الخدمات العلمية