الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الصيد

لعل مناسبته أن كلا منهما مما يورث السرور ( هو مباح ) بخمسة عشر شرطا مبسوطة في العناية ، وسنقرره [ ص: 462 ] في أثناء المسائل ( إلا ) لمحرم في غير المحرم أو ( للتلهي ) كما هو ظاهر ( أو حرفة ) على ما في الأشباه . قال المصنف : وإنما زدته تبعا له ، وإلا فالتحقيق عندي إباحة اتخاذه حرفة لأنه نوع من الاكتساب ، وكل أنواع الكسب في الإباحة سواء على المذهب الصحيح كما في البزازية وغيرها .

التالي السابق


كتاب الصيد مصدر صاده : إذا أخذه فهو صائد وذاك مصيد ويسمى المصيد صيدا فيجمع صيودا وهو كل ممتنع متوحش طبعا لا يمكن أخذه إلا بحيلة

مغرب ، فخرج بالممتنع مثل الدجاج والبط ، إذ المراد منه أن يكون له قوائم أو جناحان يملك عليهما ويقدر على الفرار من جهتهما ، وبالمتوحش مثل الحمام إذ معناه أن لا يألف الناس ليلا ونهارا ، وبطبعا ما يتوحش من الأهليات فإنها لا تحل بالاصطياد وتحل بذكاة الضرورة ودخل به متوحش بإلف كالظبي لا يمكن أخذه إلا بحيلة ، وتمامه في القهستاني : أي فالظبي وإن كان مما يألف بعد الأخذ إلا أنه صيد قبله يحل بالاصطياد ، ودخل فيه ما لا يؤكل كما يأتي . ( قوله مما يورث السرور ) وقيل : الغفلة واللهو ، لحديث " { من اتبع الصيد فقد غفل } " وفي السعدية ولأن الصيد من الأطعمة ، ومناسبتها للأشربة غير خفية ، وكل منها فيه ما هو حلال وحرام .

( قوله بخمسة عشر شرطا ) خمسة في الصائد : وهو أن يكون من أهل الذكاة ، وأن [ ص: 462 ] يوجد منه الإرسال ، وأن لا يشاركه في الإرسال من لا يحل صيده ، وأن لا يترك التسمية عامدا ، وأن لا يشتغل بين الإرسال والأخذ بعمل آخر ، وخمسة في الكلب : أن يكون معلما ، وأن يذهب على سنن الإرسال ، وأن لا يشاركه في الأخذ ما لا يحل صيده ، وأن يقتله جرحا ، وأن لا يأكل منه . وخمسة في الصيد : أن لا يكون من الحشرات ، وأن لا يكون من بنات الماء إلا السمك ، وأن يمنع نفسه بجناحيه أو قوائمه ، وأن لا يكون متقويا بنابه أو بمخلبه ، وأن يموت بهذا قبل أن يصل إلى ذبحه ا هـ . وفيه بحث مذكور مع جوابه في المنح ، ومجموع هذه الشروط لما يحل أكله ولم يدركه حيا ( قوله في غير الحرم ) الأولى أن يقول أو في الحرم ليشمل الصور الثلاث وهي الصيد المحرم في الحل أو الحرم أو الحلال في الحرم ( قوله كما هو ظاهر ) لأن مطلق اللهو منهي عنه إلا في ثلاث كما مر في الحظر ( قوله على ما في الأشباه ) أي أخذا مما في البزازية من أنه مباح إلا للتلهي أو حرفة .

وفي مجمع الفتاوى : ويكره للتلهي ، وأن يتخذ خمرا وأقره في الشرنبلالية ( قوله لأنه نوع من الاكتساب ) وبذلك استدل في الهداية على إباحة الاصطياد بعد استدلاله عليه بالكتاب والسنة والإجماع ، وأقره الشراح ( قوله وكل أنواع الكسب إلخ ) أي أنواعه المباحة ، بخلاف الكسب بالربا والعقود الفاسدة ونحو ذلك ( قوله على المذهب الصحيح ) قال بعده في التتارخانية . وبعض الفقهاء قالوا : الزراعة مذمومة ، والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء : ثم اختلفوا في التجارة والزراعة أيهما أفضل . وأكثر مشايخنا على أن الزراعة أفضل ا هـ وفي الملتقى والمواهب : أفضله الجهاد ، ثم التجارة ، ثم الحراثة ، ثم الصناعة ا هـ .

أقول : فالمراد من قولهم كل أنواع الكسب في الإباحة سواء أنها بعد أن لم تكن بطريق محظور لا يذم بعضها وإن كان بعضها أفضل من بعض تأمل . ثم إن كل نوع منها تارة يتخذه الإنسان حرفة ومعاشا وتارة يفعله وقت الحاجة في بعض الأحيان ، وحيث كان الاصطياد نوعا منها دل على إباحة اتخاذه حرفة ولا سيما مع إطلاق الأدلة . وعبارات المتون : والكراهة لا بد لها من دليل خاص ، وما قيل إن فيه إزهاق الروح وهو يورث قسوة القلب لا يدل على الكراهة ، بل غايته أن غيره كالتجارة والحراثة أفضل منه .

وفي التتارخانية قال أبو يوسف : إذا طلب الصيد لهوا ولعبا فلا خير فيه وأكرهه ، وإن طلب منه ما يحتاج إليه من بيع أو إدام أو حاجة أخرى فلا بأس به ا هـ




الخدمات العلمية